- قبل أي شيء ﻻ بد أن نتأكد هل انت مظلوم حقاً ؟ فكل إنسان يرى نفسه بعين الكمال . وربما كنت تحصل على ما تستحقه بالضبط وأكثر، وربما كنت مقصراً في عملك دون أن تشعر أو أن أداءك ﻻ يؤهلك لما تطمح له من الموقع الوظيفي. حاكم نفسك وفق معايير قياسية محايدة. وبالمناسبة فهناك خطأ شائع وهو أن تقيس نفسك باﻵخرين، فكون أن فﻼن الذي هو أقل منك في المستوى قد نال فوق ما يستحقه ﻻ يعني بالضرورة أنك لست في الموقع الذي تستحقه فتنبه. صحيح أن تمييز من هم أدنى منك ﻷسباب ﻻ عﻼقة لها بمصلحة العمل ظلم كبير، ولكن ما دمت تنال ما تستحقه تماماً فدعك من هذه المقارنات النسبية. وأما إذا كان كل من فوقك في المرتبة الوظيفية – بمن فيهم المدير الظالم - أقل منك في قدراتهم و مؤهﻼتهم فمن اﻷفضل لك أن تبحث عن مكان عمل آخر.-إذا سلمنا أنك فعﻼً مظلوم وأنك موضوع في المكان الخطأ وأن حقوقك تنتهك على نحو صارخ، ما يدرينا انك لست ظالماً أيضاً ، فربما كنت أنت نفسك مديراً او مشرفاً يظلم مرؤوسيه في العمل ، او يظلم أوﻻده، أو يظلم خادمه في البيت فﻼ يعطيه الراتب الذي يستحقه، فعندها ربما كان الظلم الذي تعانيه عقوبة على ظلمك، وما اكثر ما يسلط الله الظالم على ظالم مثله ؟!-ﻻ تقل مستغرباً لماذا يحدث لي هذا ! فالحياة الدنيا أرض ابتﻼء وتصارع اجتماعي وتدافع بين الخير والشر والعدل والظلم والحق والباطل وهذا اﻻختبار هو غاية الوجود اﻹنساني من أساسه. ولكن اسأل نفسك هل ما تتعرض له ابتﻼء للمؤمن ام أنه عقوبة معجلة على بعض ذنوبك وأخطائك في حق نفسك و اﻵخرين او تقصيرك في جنب ربك ؟ ربما لن تعلم على وجه اليقين، واﻷفضل واﻷسلم ان تفترض الخطأ في نفسك فلن تبعد عن الصواب كثيراً.-إذا كنت مظلوماً فﻼ تتحول إلى ظالم. ﻻ تظلم نفسك بالتقصير في أداء أعمالك مهما بلغ إحباطك وإﻻ صار راتبك سحتاً وماﻻً حراماً. كما إن ظلم المدير لك ﻻ يبرر ظلمك إياه من خﻼل ترديد اﻹشاعات غير الموثوقة عنه أو إظهار الشماتة بمصائبه أو غيبته أي التحدث عنه بما يكره في غيبته. صحيح أنه يستثنى شرعاً من الغيبة الشكوى لظالم أو طلب اﻻستشارة أو الحديث عن المدير المجاهر بفسقه وظلمه. ولكن اﻷسلم أن تجتنب الغيبة لكي تحتفظ بحسناتك فﻼ تذهب إلى مديرك الظالم. ولو كنت حقاً تبغض مديرك لما سمحت له بأن يحصل منك على حسنة واحدة عن طريق الغيبة او البهتان أو ظلمه على أي وجه من الوجوه.- إذا كنت مظلوماً فﻼ تظلم نفسك بأن تجعل من هذا المدير الظالم شغلك الشاغل وتجعل من صدرك مستنقعاً للحقد اﻷعمي عليه، فالحقد كالحامض المسبب للتآكل ﻻ يؤذي إﻻ صاحبه أو الوعاء الذي يحمله. ﻻ تسمح للمدير الظالم بأن يسمم روحك وينكد عليك عيشك.- قبل كل إجراء وبعده وقبل ان تشكو إلى الناس ادع الله أن يرفع عنك الظلم وﻻ تستعجل اﻹجابة فبنص الحديث ربما تكون اﻹجابة معجلة أو مؤخرة أو يصرف عنك من السوء مثلها او ياتيك من الخير بقدر ما دعوت. وﻻ تشكن لحظة في ان دعوة المظلوم في جوف الليل مجابة وقد أسماها العلماء سهام الليل فهي تفتك بالظالم فتكاً ولو بعد عشرين سنة، ولكن البشر بفهمهم القاصر يستعجلون النتائج لجهلهم بالمعادﻻت المعقدة التي تسير وفقها حكمة تدبير الخالق للكون.- ناضل وكافح وجاهد، حاول أن تأخذ حقك بالسبل المشروعة طالب بحقك من مديرك أو من هو فوقه من المدراء والمسؤولين وساعدهم في اتخاذ القرار بتوفير البراهين الكافية. وقدم الشكاوى في حال وجود معوقات. ولكن ربما تجد في كثير من اﻷحيان وفي عالمنا العربي خاصة بأن يد الموظف مكبلة عن الشكوى وأنه ﻻ يستطيع رفعها دون تكاليف وعواقب مستقبلية فادحة التكلفة عليه إذ ربما تكون سبباً في مزيد من تسلط المدير الظالم وانتهاكه للحقوق بينما يظل النظام الوظيفي في موقف المتفرج على المظلمة التي تتم في جو من المهزلة اﻹدارية العامة.- خفف من غضبك على المدير الظالم، وتأمل فربما كان المدير الظالم نفسه هو ضحية لطاغية آخر يذله ويظلمه، وربما كان ظلمه لك رد فعل وصدى انعكاسياً لما يﻼقيه على يد الظالم اﻷكبر.- خفف من غضبك على المدير الظالم، وارث لحاله فربما كان يعاني اﻵن من آثار ظلمه في الدنيا مع ما ينتظره من العقوبة في اﻵخرة . ولعلك ﻻ تدري ما يواجهه المدير الطاغية من صنوف العقوبات المعجلة كحرمان بركة المال وضياعه بنكبات وكوارث مختلفة، وربما يبتلى في أهله وولده بإصابتهم بامراض خطيرة و مزمنة أو يحرمه الله الذرية أو يعاني من نكد مزمن أو يسلط الله عليه طغاة آخرين يظلمونه ويذلونه. ولكن مشكلته أن سكرة السلطة تجعله ﻻيربط أبداً بين ما ينزل به من المصائب وبين ما يمارسه من طغيان وظلم على مرؤوسيه.- خفف من غضبك على المدير الظالم، ولو تسبب حرمانه لك من الترقيات في ازمات مالية معيشية خانقة. حاول أن تسامحه ولو تسبب بصورة غير مباشرة في وفاة عزيز لديك لعجزك عن تكلفة العﻼج بسبب ظلم المدير الطاغية. وﻻ تنسب كل شيء للمدير الطاغية فنكبات الحياة واﻵجال محددة مقدرة بغض النظر عن مسبباتها سواء كانت مديرك الظالم او غيره.*- خفف من غضبك على المدير الظالم، وانظر إليه كصندوق توفير استثماري مربح في اﻻخرة. فمع كل ما يجمعه من سيئات ظلمه لك ولغيره فإنه سيكون بوسعك أن تأخذ حقك في اﻵخرة من حسناته فإذا فنيت حسناته ولم تستوف حقك منه، أصبح من حقك وحق زمﻼئك من ضحايا ظلمه أن تنقلوا سيئاتكم إلى رصيده فيزداد قرباً من عذاب النار وتزداد فرصكم في النجاة منه، وهذا نص الحديث النبوي حول تعريف المفلس في اﻻخرة.*- يمكنك ان تحتفظ بحق المطالبة بحسنات المدير الطاغية في اﻵخرة، ولكن اﻷفضل لو أنك استطعت أن تسامحه فمن عفا وأصلح فأجره على الله. أي أن أجر العفو اكبر ﻷن ذلك من عزم اﻷمور لما يمارسه المظلوم في تلك الحالة من درجة عالية من ضبط النفس والتسامي على نزعة اﻻنتقام.- خفف من غضبك على المدير الظالم، وتأمل كيف أنه إنسان وحيد محروم من حب الناس بل هو يسبح في بحيرة من بغض الموظفين واحتقارهم، وكلهم يشهد عليه بالشر. ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يوماً جالساً بين أصحابه، فمرت جنازة فأثنى الناس على صاحب هذه الجنازة خيراً فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت ثم مرت جنازة فاثنوا عليها شرا.فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت فقالوا ما وجبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أما اﻷول فأثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وأما الثاني فأثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه)). فما قيمة السلطة والثروة إذا كان المدير مكروهاً حتى أنه ﻻ يجد عيناً تبكي عليه إذا أصابه اي مكروه.- خفف من غضبك على المدير الظالم، فهو في الغالب ليس الوحيد المتسبب في ظلمك بل هو ثمرة نظام وظيفي مختل يمنحه سلطات بﻼ حدود تغريه بالظلم والتجاوز في حين يمنعك النظام من المطالبة بحقه أو الشكوى وأنت آمن من أن يستغل الطاغية منصبه ليعرضك لمزيد من الظلم. وكما قيل قديماً السلطة المطلقة فساد مطلق. المدير الظالم نتيجة طبيعية ﻷنظمة إدارية مهترئة أصبحت فيها اﻷجهزة المسؤولة عن المحاسبة والرقابة اﻹدارية مجرد ديكور لتحسين الصورة العامة. ولهذا فإن وزر الظلم ﻻ يقع فقط على الظالم المباشر بل يشمل من فوق مديرك من مدراء ومعاونين أعانوه على ظلمه أو سكتوا عنه وتقاعسوا، فهؤﻻء كما وصفهم بعض الفقهاء ليسوا فقط من أعوان الظلمة بل هم الظالمون أيضاً.- خفف من غضبك على المدير الظالم، وارث لحاله فهو ضحية لعمى السلطة المؤقت. فالسلطة المطلقة التي حصل عليها لفترة من الزمن تجعله في حالة سكر ﻻ يرى معها سوى جشع السلطة والثروة وتنهار معها المعايير اﻷخﻼقية. ولهذا فإن كل المواعظ والتحذير من العقوبات في اﻻخرة تقع على آذان صماء وقلب غافل، وهذا هو تأثير فتنة السلطة. فاما إذا زالت عنه السلطة تغيرت شخصيته تماماً وأصبح ودوداً متواضعاً بل وتراه كالدجاجة المكسورة الجناح يئن وينزف دماً وهو يذم الظلم والظالمين ويتحدث في مواعظ بليغة عن الحاجة لﻺصﻼح اﻹداري.- وأخيراً إذا تأكد لك أن الخلل يكمن في نظام العمل بأكمله وليس في المدير الظالم وحده فاﻷفضل لك أن تستقيل من مكان عملك وتنتقل إلى مكان آخر يحفظ لك كرامتك وآدميتك.