في دنيا العمل المعاصرة هنالك مﻼيين ومﻼيين من الموظفين القابعين في "مزارع" المربّعات الزجاجية المتطابقة. تملؤهم بالغيظ والمرارة واﻹحباط تدرّجات وفواصل السلطة الشاسعة في مؤسساتهم.وتملؤهم بمشاعر العجز الساحق أساليب إدارتهم إدارةً دقائقية تتدخّل في كل نفَس وكلّ حركة يأتون بها -أو تركهم دون إدارة على اﻹطﻼق-. إنّهم ينتظرون قيادةً تأتيهم بالخﻼص.. فلمَ ﻻ يكونون هم هذه القيادة؟ﻻ يمكنك التحكّم بالرياح..وأشرعة مركبك! من يمسك بها؟القيادة ليست تابعةً للسلطة الرسمية، إنّها تابعةٌ لتأثير كل شخص. ﻻ أقصد بهذا الكﻼم أنّه ينبغي عليك أو أنّه بإمكانك قطعاً أنّ تصبح رئيساً رسميّاً لرئيسك، ولكنه يعني أنّ بإمكانك أن تقود رئيسك. كيف ذلك؟! بسيطة! تفهّمه وتعاطف معه:فكّر وأنت تضع نفسك مكانه. فكّر في التحدّيات، والمشكﻼت، والهموم التي يواجهها، وخطط المستقبل التي يتحمّل مسؤوليتها. من خﻼل التعاطف والتفهّم واﻹدراك اﻻستباقيّ ستجد نفسك قادراً على التصرّف مستقلّاً عن مديرك لتعالج المشكﻼت وتستكشف الفرص والتهديدات الكامنة.إنّ تصرّفك المستقل عن مديرك واضعاً في ذهنك احتياجات هذا المدير (أو احتياجات الشركة) يعني عملياً أنّك تقود.بالتفهّم والتعاطف ستغدو مقدرتك على استباق اﻻحتياجات ﻻ حدّ لها، وبالتالي ستصبح قوّتك وتأثيرك في مكان العمل ﻻ حدّ لها.القيادة ﻻ تنتظر إذناً من أحد..إنّها إرادة وسلوك وليست منصباًأجل، أنت محقّ إن امتﻸت غيظاً وحيرةً وأنت ترى نفسك عالقاً في تدرّجات السلطة الرسمية، ولكن إن كنت مركّزاً على التعاطف والتفهّم ﻻحتياجات مديرك وشركتك –بغضّ النظر عن موقعك- فسيبقى بإمكانك تحقيق اﻷداء القياديّ والتأثير اللذين تطمح إليهما.مرّت عليّ أيامٌ كنت أعمل فيها مساعداً إدارياً لرئيس شديد التحكّم والتدخّل. وأذكرُ أنّ أحد العاملين تحت مسؤولية ذلك الرئيس كان مثاﻻً ممتازاً لتفهّم اﻻحتياجات واستباق التعليمات والتوجيهات. في كل مرةٍ تُطلب منه معلوماتٌ أو توكل إليه مهمّةٌ كان يسأل نفسه: ما الذي يرمي الرئيس فعﻼً إلى تحقيقه في النهاية؟ ولماذا يريد هذه المعلومات؟..كان متفهّماً جداً إلى حدّ أنّه لم يكن يكتفي بتقديم المطلوب بل يقدّم توصياتٍ إضافية وتحليﻼً للمعلومات. وﻷنّ عمله كان مستنداً إلى رؤيةٍ عميقة واهتمامٍ كبير فقد كان الرئيس يسارع إلى تبنّي ما يقدّمه وما يراه. وأدّت ثقة الرئيس بذلك الزميل إلى تصاعد تأثيره إلى درجة أنّ توصياته للمشاريع أصبحت إلزامية.وفي مكان العمل ذاته وتحت مسؤولية الرئيس نفسه كان كثير من الموظفين يرون المدير مستبداً مبالغاً في التدخّل. وما كان تفاعلهم ليتجاوز تناول نقائص ذلك المدير واجترار أخطائه –المفترضة- بحقهم وبحق الشركة. قارن بين الموقفين عزيزي القارئ وانظر كم كان موقف هؤﻻء مدمّراً ﻷنفسهم قبل مكان عملهم.إيّاك أن تنسى: كلّما رأيت نفسك تفكّر بأن المشكلة إنّما هي مشكلة فﻼن أو فﻼن وليست مشكلتك أنت فاعلم أنّ هذا التفكير بحدّ ذاته هو أكبر مشكلة.ركّز على ما يمكنك أنت القيام به وستصبح في أيّ موقف قائداً لرئيسك وربّاناً لسفينة حياتك وعملك.