كان هذا عنواناً للملتقى اﻹداري الثالث الذي نظمته الجمعية السعودية لﻺدارة والذي عقد في (محافظة جدة) في الفترة من 20/2/1426 إلى 26/2/1426ه. وقد كان هذا الملتقى مميزاً في كثير من محاوره، وبرع بعض المتحدثين في تقديم أوراقهم وتألقوا في أسلوبهم ووسائلهم، وجاء البعض اﻵخر كالماء بﻼ لون وﻻ طعم وﻻ رائحة. وأنا لست بصدد تقييم الملتقى ومحاوره والمتحدثين فيه فذلك من شأن أهل اﻻختصاص من القائمين على الجمعية السعودية لﻺدارة والتي أبدعت في التنظيم والترتيب لذلك اللقاء. وما يعنيني من هذه المقدمة هو عنوان الملتقى (إدارة التغيير ومتطلبات التطوير في العمل اﻹداري).وكون العنوان الذي توشح به ذلك الملتقى قد جذبني وشد إنتباهي فأردت أن أساهم في الحديث حوله من النواحي اﻹدارية والتنظيمية البحتة. ولن أدخلكم في فلسفة جدلية حول التغيير والتطوير. ومن يسبق من؟ هل التغيير يسبق التطوير أم التطوير يسبق التغيير؟! ولن أدخل - القارئ العزيز - في التفكير فيما نعيشه من ثنائيات إدارية نتعامل معها وتعيش في واقعنا اﻹداري لنخلط بينها رغم اختﻼفها. وهذا ﻻ يعني رفضنا لكل ما هو ثنائي إذا كان هناك تكامل فيما بينهما، أما الخطورة فهي ظهورها متناقضة، ومن بين تلك الثنائيات: التغيير والتطوير، القيادة واﻹدارة، الوصف الوظيفي والوظيفة، الحافز المادي والحافز المعنوي وغير ذلك الكثير من الثنائيات وما يهمني في هذه الثنائيات هو (التغيير والتطوير).وﻻ بد من التوضيح أن هناك فرقاً كبيراً بين التغيير والتطوير على اعتبار أن التطوير وظيفة إدارية، أما التغيير فهو أداة من أدوات اﻹدارة، وأن الجمع بينهما قد ﻻ يكون صواباً! حيث إن العنوان يوحي بالمساواة بين التغيير والتطوير وكأن التغيير مرادف للتطوير وذلك لوجود حرف العطف بينهما. وحرف الواو - كما قال علماء اللغة - هو من اﻷحرف التي تشرك المعطوف مع المعطوف عليه مطلقاً أي لفظاً ومعنى. وأنا أعتقد أن التطوير هو هدف نهائي ﻷي منظمة، أما التغيير فهو وسيلة أو أداة من أدوات التطوير مثله مثل إدارة الجودة الشاملة أو الهندرة عندما تستخدم كوسائل في المنظمات ﻹحداث التطوير اﻹداري المطلوب. ولعلي من خﻼل استعراضي للثنائية الحادثة بين التغيير والتطوير أحدد المقصود بالمفهوم أوﻻً وأهمية هذا التحديد ثانياً، ﻷن المفاهيم هي التي تساعدنا على التمييز وتسهيل التعامل بها من قبل المستخدمين دون تناقض أو سوء فهم في التناول أو في اﻻستخدام.ما هو التغيير؟التغيير هو اﻻنتقال من مرحلة أو حالة غير مرغوبة إلى مرحلة أو حالة أخرى مرغوبة يفترض فيها أن تكون أكثر ايجابية وتلقى قبوﻻً لدى أغلبية العاملين في المنظمة. ويتطلب التغيير جهوداً متواصلة ومضنية من المنظمات ومن المديرين في التخطيط لعمليات التغيير ومجابهة ردود اﻷفعال الناجمة عنها المتمثلة في شعور العاملين بعدم اﻻتزان وعدم القدرة على التصرف وهذه ما يعرف (بالصدمة) ثم بعد ذلك عدم التصديق ببدء دوران عجلة التغيير وفي بعض اﻷحيان يكون الشعور بالذنب من قبل العاملين الذين يعتقدون أنهم هم السبب في التغيير المفاجئ وانتهاء بقبوله. ولن أتحدث عن أسباب مقاومة التغيير التي باتت معروفة لدى أكثر اﻹداريين المختصين بل أريد أن أركز حديثي حول إدارة التغيير، ومن الذي يقوم بالتطوير التنظيمي؟ وقبل اﻹجابة على هذين السؤالين ﻻبد من تعريف - ولو بشكل مبسط - بما هية التطوير التنظيمي؟ ثم بعد ذلك نعرج على العﻼقة بين التغيير والتطوير.ما هو التطوير التنظيمي؟من الصعب الخروج بمفهوم مشترك للتطوير التنظيمي ﻷنه مفهوم واسع وعام تختلف برامجه باختﻼف الفلسفة أو اﻷسلوب الذي يتم به تطبيق المبادئ السلوكية المتضمنة فيه. وقد يعني التطوير التنظيمي الخطة اﻻستراتيجية التي تضعها المنظمة لتحسين أدائها والكيفية التي تعالج بها مشاكلها وتجديدها وتغييرها لممارساتها اﻹدارية واﻻعتماد على المجهود التعاوني بين اﻹداريين المنفذين للخطة مع الوضع في اﻻعتبار الظروف البيئية الداخلية والخارجية.إدارة التغييرمن اﻻستعراض السابق يتضح أن هناك صعوبات جمة تواجه قادة التغيير والتطوير التنظيمي ومكمن هذه الصعوبات في المقاومة المحتملة للتغيير لعدم إلمام المتأثرين به بخطواته وما ينطوي عليه مستقبلهم بعد أن يصبح التغيير واقعاً ملموساً! وعلى المنظمات، قبل أن تبدأ في تنفيذ عمليات التغيير والتطوير أن تقوم بعمليات التخطيط والتنظيم له.إن المقصود بالتخطيط لعمليات التغيير هو الوصف الدقيق لما يجب انجازه، وتحديد اﻷدوات والوسائل المستخدمة لتحقيق ذلك. إن خطة التغيير ﻻبد أن تكون قادرة على اﻹجابة عن العديد من اﻷسئلة المتعلقة بعناصرها، ومنها:- ما هي مشاكل المنظمة على كافة المستويات اﻹدارية والتنظيمية؟- كيف يمكن جمع المعلومات الﻼزمة عن هذه المشاكل وتشخيصها وتحديد البدائل واختيار الحل اﻷمثل؟- من هم المستهدفون بالتغيير (اﻷفراد - الجماعات - التنظيم)؟- من سيقوم بعملية التغيير، وما هو دور المستويات اﻹدارية في المساهمة في عمليات التغيير؟- ما هو مراحل التغيير (التهوء (اﻹذابة) - التغيير - التجديد) وما هي المدة الزمنية المرتبطة بكل مرحلة؟ وهناك الكثير من اﻷسئلة ﻻ مجال هنا لذكرها والتوسع فيها.وباﻻنتقال إلى عملية تنظيم التغيير فإن المقصود بذلك من يقوم بالتغيير، ومتى، وكيف تتم عملية التطوير التنظيمي؟ فقد تنفرد اﻹدارة العليا بذلك وتستأثر به نظير ما تملكه من سلطات وصﻼحيات. فاﻹدارة العليا تخطط وتنظم عمليات التغيير والتطوير وتصدر من القرارات ما يضمن تنفيذ خطة التغيير. وتعتمد اﻹدارة العليا في قراراتها على ما توافر لديها من معلومات وتقارير وقد تعتمد على خبراتها الذاتية. وهذا التوجه يعد اتصاﻻً ذا اتجاه واحد أي من أعلى إلى اﻷسفل. وقد تفضل اﻹدارة العليا مشاركة كافة المستويات اﻹدارية والتنظيمية في عملية التغيير. وهذا اﻻتجاه يفترض أن العاملين في هذه المستويات ذوو كفاءات عالية ومتميزة ومؤهلون للمشاركة في قيادة دفة التغيير، وأن مشاركتهم تقلل من تأثيرهم في تبطئة إنجاح عملية التغيير وتعتبر اعترافاً ضمنياً بقوتهم وسلطانهم الذي ﻻ يمكن إنكاره وتضمن تفاعلهم ودعمهم للتغيير.أما البديل اﻷخير الذي قد تفضله اﻹدارة العليا في تنفيذ خطة التغيير والتطوير فهو التفويض. وتلجأ اﻹدارة العليا إلى تفويض كافة المستويات التنظيمية والعاملين بالمنظمة في تحديد معالم التغيير المطلوب وإحداث التطوير المناسب. وهذا يعني مسؤولية هذه المستويات عن تحديد مشاكلها وإيجاد الحلول المناسبة لها واتخاذ القرار المناسب حيالها. وهناك عدة أساليب لتفويض المستويات اﻹدارية والعاملين بالمنظمة منها: تدريب الحساسية ومناقشة الحالة.أي الطرق المناسبة أفضل؟ﻻ يمكن الجزم بأن هناك طريقة من الطرق السابق ذكرها (اﻹدارة العليا - المشاركة - التفويض) هي اﻷفضل ﻻعتبارات كثيرة منها: رضا العاملين المتأثرين بالتغيير، مدى مقاومة التغيير وقوته، سرعة التغيير واﻻلتزام به. ويبدو أن التغيير بالمشاركة قد يؤدي إلى أفضل النتائج كما بينت ذلك الدراسات التي تطرقت إلى فعالية طرق التغيير المختلفة، حيث إن رضا العاملين بالتغيير يكون مرتفعاً، ومقاومتهم له تكون منخفضة، وكذلك التزامهم به واستعدادهم للتجديد واﻹبداع المستمر يكون مرتفعاً أيضاً.وبصرف النظر عن وسيلة التغيير التي ستلجأ إليها المنظمة فإنه ﻻبد من تحديد المستهدفين بالتغيير ومتطلبات كل فئة. هل المستهدفون هم اﻷفراد أم اﻹدارات واﻷقسام (جماعات العمل) أم التنظيم بما يحتويه من أنظمة وإجراءات وهياكل؟ ﻷن هذه هي العناصر اﻷساسية التي تشكل المنظمة ويجب اﻻهتمام بها في عمليات التغيير والتطوير.ختاماً يظل كل ما طرحته في هذا المقال ﻻ يمثل سوى رأيي المتواضع، وأن الدافع لكتابته هو إدراك اﻷسس العامة التي يجب أن يقوم عليها التطوير التنظيمي وأنها من اﻷمور البالغة اﻷهمية بصرف النظر عن الوسائل المستخدمة ﻹحداث هذا التطوير. والتطوير التنظيمي في واقع الممارسات اﻹدارية لم يلق اهتماماً معاصراً يضاهي دوره الحقيقي في حياة المنظمات وتكوينها وتأليف الوحدات اﻹدارية المنسجمة المترابطة المبنية على المصالعليا للمنظمات. ومع اﻷسف نجد كثيراً من الدراسات التي تناولت العﻼقة بين التغيير والتطوير التنظيمي في أدبيات اﻹدارة ﻻ تقوم على التفريق بينهما وقد تناولت هذه الدراسات جزئيات مبتورة عن السياق العام لمتطلبات التطوير اﻹداري بعيداً عن النظرة الشمولية المتمثلة في اﻻستقرار العام لوضع المنظمات اﻹدارية المعاصرة..