تتلخص الثقافة اﻹنسانيّة في المؤسسة في التركيز على دمج اﻷدوار بالمشاعر بحيث يشعر الفرد العامل داخل الجماعة بأنه جزء ﻻ يتجزأ من الكل وأن الكل جزء ﻻ يتجزأ منه، ومن الواضح أن إيجاد هذا النوع من التثقيف في غاية الصعوبة لكنه في غاية اﻷهمية، ﻷنه يقوم على النظرة اﻹنسانية إلى اﻷفراد ﻻ اﻵلية أو الوظيفية، لذلك فإن المنهج اﻷساس لهذه النظرة يقوم على التركيز على إحتياجات العاملين والنظر إليهم على أنهم أعضاء أسرة واحدة يتوجب اﻹهتمام بهم وتدريبهم والعمل على ترسيخ المباديء في نفوسهم وضمان أداء متميّز ﻷعمالهم وأدوارهم وتوفير أكبر قدر ممكن من اﻹحترام للعاملين وإتاحة الفرص الكافية لهم للمشاركة في القرار والعمل.وعلى هذا فإن خلق ثقافة إنسانية تتفق مع إدارة الموارد البشرية تعتبر من أهم التحديات للمؤسسة العصرية، إذ ليس من المنطقي البدء بتطبيق هذه الثقافة في مؤسسات تقوم على ثقافات ﻻ تؤمن باﻹنسان إﻻ بمقدار ما يؤدي من دور وعمل، وﻻ تتوفر فيها مقومات الرعاية اﻹنسانية والتنمية لﻸفراد، فإن ما قيل من أن الثقافة أوﻻً وقبل كل شيء، تثبت مصداقيته لدى كل تغيير وإبداع جديد.1.تطور الوظيفة اﻹستراتيجية ﻹدارة الموارد البشرية:إن تاريخ إدارة الموارد البشرية بطرقها وتمثيلها وإنشغاﻻتها كانت مرتبطة كليا بتاريخ اﻹقتصاد، والتي ينجر عنها حركة إجتماعية حاملة لمتطلبات وإحتياجات جديدة."قبل سنة 1914 لم تكن وظيفة الموارد البشرية كما هي اﻷن في الواقع، إدارة الموارد البشرية كان يديرها أرباب العمل أنفسهم، إن الظروف التي أدت إلى ظهور وبروز إدارة الموارد البشرية كفرع علمي مستقل، يعود إلى إنتهاء الحرب العالمية اﻷولى مباشرة، وكان ذلك متداخﻼ ومرتبط بتحوﻻت الجهاز اﻹقتصادي لتلك المرحلة "[1].من جهة أخرى نشهد ميﻼد الرأسمالية الحديثة والتي شهدت ظهور المؤسسة اﻹقتصادية الكبيرة في ظرف إجتماعي صعب، هذه المعطيات تمثل الواقع الذي فيه إدارة الموارد البشرية، حيث أن البناء النظري لهذه الوظيفة يعود إلى منظرين كماكس فيبر وتايلور وفايول، والذين يعتبرون من أوائل المنظرين في وظيفة إدارة الموارد البشرية.إن تايلور يعد أول من حاول دراسة الحركات الﻼزمة ﻷداء العمل في المنظمات الصناعية، وتسجيل الزمن الﻼزم لكل حركة، وحينما كان يكتشف طرق مثلى أو ممتازة ﻷداء عمل ما، كان يفرضها على من يختارهم من العمال أثناء تدريبهم.لقد جعل تايلور العمل اﻹداري أكثر واقعية، فاﻹدارة العلمية "تسعى لجمع المعلومات الخاصة بالعمل من العمال أنفسهم ثم تبويبها وتصنيفها ووضعها في شكل قواعد تساعد العامل على تأدية عمله بشكل كبير، فهي بذلك تجزأ العمل بين اﻹدارة والعمال بأسلوب يؤدي في النهاية إلى إرتفاع الكفاية اﻹنتاجية للمؤسسة"[2].وبالتالي فتايلور سعى إلى اﻹستخدام اﻷمثل لﻺنسان في المؤسسة، حيث كان إهتمامه منصبا على كيفية إدارة قدرات العامل وإستغﻼلها في خدمة المؤسسة، إلى جانب هذا التوجه إهتم أيضا بكيفية تحفيز العامل وتدريبه على تقنيات العمل واﻷﻻت الجديدة في المؤسسة حتى يسمح له بالعطاء أكثر مما كان عليه، " وإعتبر تايلور اﻹختيار العلمي للعاملين اﻷساس في نجاح إدارة الموارد البشرية ويجب أن يتم إختيارهم بعد التأكد من تأهيلهم المناسب وتوافر القدرات والمهارات الﻼزمة لتحمل عبء ومسؤوليات الوظيفة...وأن العامل لن ينتج بالطاقة المطلوبة منه، إﻻ بعد أن يكون لديه اﻹستعداد للعمل والتدريب المناسب على العمل، وبذلك فإن تدريب العامل وتطويره أمر جوهري للوصول إلى المستوى المطلوب من العمل"[3]، ومن هنا يظهر اﻹهتمام الواضح بالعمال من خﻼل مدرسة اﻹدارة العلمية لتايلور، وبالتالي ظهرت وظيفة إدارة الموارد البشرية عند تايلور كإدارة هامة ﻻ بد من اﻹهتمام بها .وفي السياق نفسه فإن تايلور له أفعال مختلفة، "سمح بإنشاء تنظيم العمل حول مباديء الوقت بمعنى وحدة الوقت الﻼزمة لتحقيق وظيفة محددة، كذلك ترتيب الوظائف حسب درجة التعقيد والمؤهﻼت المطلوبة لتحقيقها، حيث ظهر مفهوم العامل المتخصص والمؤهل أو عون التحكم، وبهذا أدت هذه المظاهر إلى وضع طرق لوصف مناصب العمل والذي ظهر كأداة حتمية وظرورية ﻹدارة الموارد البشرية"[4].تيار نظري ثاني ظهر وتطور يتناول بطريقة مختلفة كليا مفهوم اﻹنسان في العمل، مرتبط بمدرسة العﻼقات اﻹنسانية، هذه المدرسة قامت بدراسة ظروف العمل والتي قام بها بمصانع هاوثورن، خﻼل تجاربه "ﻻحظ إلتون مايو أن العمال بعد تعريضهم لمختلف المتغيرات في محيط العمل، وخاصة شدة الضوء وساعات العمل ووقت الراحة وكذلك طريقة تقاضي اﻷجور، فأظهرت هذه التجارب أن محيط العمل له تأثير مباشر على فعالية العامل ومردوديته، وبالتالي تم إدراك ﻷول مرة أثر وسط أو محيط العمل على العامل، ومنه أعتبرت تجربة إلتون مايو مرحلة هامة ذات تأثير بالغ في تاريخ إدارة الموارد البشرية"[5].ماسلو أيضا هو اﻵخر ساهم في تطور إدارة الموارد البشرية، وهذا بإدراجه سلم للحاجيات اﻹنسانية والتي " تنمو بإنتظام من حاجيات أولية إلى حاجيات سامية وجد معقدة، والمنطق التمثيلي للحاجات حسب هرم ماسلو يعتمد على فكرة أن الحاجات العليا ﻻ يمكن إشباعها إﻻ بعد إشباع الحاجات السفلى للهرم".[6]هذه النظرية تم توسيعها وتكميلها وتدقيقها من طرف هيرزبرغ من خﻼل دراسة التحفيز، والذي يعتبر أن إثبات النفس هو الهدف النهائي لكل توجه إنساني، وقام بربط مشكلة التحفيز الشخصي بمنطق المؤسسة.تعتبر هذه الوظيفة اﻹستراتيجية من أهم الوظائف المتواجدة في المؤسسة، وإدارة هذه الوظيفة تتعامل مع اﻷفراد بصفتهم أهم عنصر من عناصر اﻹنتاج، ذلك ﻷنهم يمتازون بقدرات وكفاءات ومهارات بإمكانهم تطوير المؤسسة وباﻷخص مكانة المؤسسة التي يعملون بها .فاﻷفراد العاملين في المؤسسة يؤثرون ويتأثرون بما يدور حولهم من متغيرات في المؤسسة، لذا قامت هذه اﻹدارة الوظيفية بوضع لوائح وقوانين وإجراءات تكفل خدمة العنصر البشري في المؤسسة، وجهدت في أن تحقق رغبات هذا العنصر الهام ورغبات المؤسسة ككل .وعلى هذا اﻷساس تطورت وظيفة الموارد البشرية قصد الزيادة في تنمية المؤسسة والموارد البشرية العاملة بها ومن بين اﻷسباب التي أدت إلى هذا التطور"تدخل الدولة في النشاط اﻹقتصادي وذلك بوضع لوائح تحدد كيفية إستخدام العمال والمحافظة على حقوقهم مثل قوانين العمل والعمال، كما نجد أيضا أن التطور التكنولوجي المتسارع والذي فرض الحاجة إلى تدريب العاملين وتطويرهم بصورة مستمرة وهذا يأتي مع ظهور الشركات والمؤسسات الكبيرة الحجم مما ترتب عليه زيادة الحاجة إلى اﻷفراد كما ونوعا"[7]، فإتجهت الصناعة إلى إستعمال لﻶﻻت المتطلبة ليد عاملة أكثر تكوينا وأهمية في المؤسسات، وبالتالي فالتكنولوجيا أثرت مباشرة على تحول وتطور وظيفة الموارد البشرية في المؤسسة.كذلك من بين اﻷسباب التي أدت إلى تطور هذه الوظيفة ظهور النقابات واﻹتحادات العمالية التي تقوم بالدفاع عن مصالح العمال، مما فرض وجود إدارة اﻷفراد للعناية بمتطلبات هذه النقابات، ومن جهة أخرى فإن " التحسن الذي عرفه العامل في مستواه التعليمي مع تطور الوضع اﻹجتماعي، أصبح يستطيع متابعة التغيرات السياسية واﻹجتماعية من خﻼل إدراكه للتطورات في أفكار الطبقة العمالية، وأصبح واعيا بكرامته الشخصية وبقيمة عمله، بعدما كان كاﻵلة في عين صاحب العمل، كما سمح له المستوى الثقافي أيضا بفهم أن التنظيم النقابي يقدم له وسيلة للدفاع الذاتي"[8]، وهكذا تمكن العمال من الدفاع عن حقوقهم وبشكل جماعي مثل مقاطعة المصانع واﻹضرابات عن العمل.فإنحصرت هذه الوظيفة على قيام إدارة الموارد البشرية نيابة عن أصحاب العمل، بإجراء مفاوضات مع النقابة التي تمثل العاملين، للتوصل إلى إتفاقات بينهما ترضي الطرفين، فيما يخص التعويضات المالية والمزايا الوظيفية، وكان كل طرف يحاول تحقيق مكاسب على حساب الطرف اﻷخر، وتجنب المشاكل مع النقابة قدر اﻹمكان ﻷنها عدو يشكل تهديدا على مصالح المؤسسة.لقد تغير هذا اﻹتجاه في ظل التحول اﻹستراتيجي الذي طرأ على وظيفة إدارة الموارد البشرية، ليأخذ شكﻼ ومضمونا جديدين ومختلفين عن السابق،"هذا الشكل الجديد يقوم على تحقيق التعاون والوفاق بين المؤسسة والنقابة، لقد أصبح هذا اﻹتجاه الجديد جزءا من إستراتيجية المؤسسة وإدارة الموارد البشرية، ذلك ﻷن رضا النقابة يعني رضا القوى العاملة، فهذا الرضا يخفف من درجة الصراع داخل المؤسسة"[9]، لقد تطلب هذا الوضع الجديد من إدارة الموارد البشرية وضع سياسة جديدة للتعامل مع النقابة، وتطويرها بشكل مستمر وتعديلها مع تغير القيادات النقابية بسبب إحتمال وجود تباين في قناعات هذه القيادات.2.النظرة الحديثة ﻹدارة الموارد البشرية:لقد سلطت اﻷضواء على الموارد البشرية بالوﻻيات المتحدة وكانت السباقة في اﻹهتمام بهذا العنصر الهام في المؤسسة وإنشاء العناصر الخاصة والهامة بهذا العنصر الحيوي "اﻹنسان"."ففي بداية القرن العشرين أدخل meyer bloomfield في مؤسسات صناعية مختلفة، مصلحة خاصة تسمى إدارة اﻷفراد personnel administration، والتي تهتم فقط بالعﻼقات مع اﻷفراد، وبهذا دخلت إدارة ونظام الموارد البشرية في المؤسسة الصناعية"[10].وإبتداءا من هذه الخطوة الهامة في مسار تطور وظيفة الموارد البشرية، أنشئت العديد من هذه المصالح المهتمة بالموارد البشرية ومشاكل العمال، كما عرفت هذه المصالح عدة تسميات منها مصلحة التشغيل، دائرة العﻼقات الصناعية، مصلحة الموظفين، كل هذه المصالح كان إهتمامها منصبا على العامل، ومن بين اﻷسباب التي جعلت المؤسسات والمنظمات تخصص هذا النوع من المصالح لخدمة العامل :حاجة المؤسسة لهذه المصلحة، حيث كان تسيير شؤون اﻷفراد والعاملين في المؤسسة ﻻ يتطلب