المدرب واتجاهاته نحو عملية (التدريب - والتعلم )

[د. وديع إلياس]

المدرب واتجاهاته نحو عملية (التدريب - والتعلم )

لا يقتصر نجاح المدرب على تمكنه من مادة علمية معينة (يقوم بإمداد المتدربين بالمعرفة التي تتضمنها)، بل يجب عليه أن يهتم أساسا بعوامل كفاءة ونجاح عملية التعلم الفردي لدى المتدرب أهمها ما يلي:

- تبادل معاملات مواقف التعلم:

يجب على المدرب أن يعي ما يتبادل بينه وبين المتدرب من معاملات مواقف (التدريب - والتعلم)، وكذلك ما يتبادل من معاملات التفاعل البشري بين المتدرب وغيره من أعضاء جماعة التدريب، إن دور المدرب كقائد لجماعة التدريب هو الدخول في علاقات ومعاملات متبادلة بينه وبين المتدرب وزملاءه في جماعة التدريب، ويمر المتدرب وجماعته من خلال هذه المعاملات والتفاعل المتبادل في خبرة مزدوجة لكل طرف فيها (المدرب من ناحية والمتدربين من الناحية الأخرى) لتشخيص حاجيات التعلم والتغيير والعقبات التي تعترض قيام عملية التعلم الفردي، ولا يقتصر في ذلك على مواقف التعلم (التدريب)، بل يتناول تحليل المعلومات المتعلقة بهذا الشأن من المصادر الخارجية التي ارتبطت وترتبط بدنيا الفرد الداخلية، كما تستهدف هذه الخبرة المزدوجة التي يتعاون فيها المدرب مع المتدرب الاتجاه إلى تجربة مداخل فكرية جديدة في العلاقات والتفاعل مع الغير واتجاهات للسلوك غير ما تعود الفرد عليه، ثم التخطيط لاستخدام وتطبيق هذه المداخل الجديدة في مجالات العمل والحياة.
ويرتكز دور المدرب كقائد لجماعة التدريب على مجموعة من معاملات بشرية متبادلة غير مستقرة تحتويها العملية الكلية (للتدريب - والتعلم) - وذلك في تفاعله مع أحد أعضاء جماعة التدريب أو مع المجموعة ككل، ويستمر تقلقل وعدم استقرار هذه العلاقات نتيجة القلق الذي يعتمل في نفس المتدرب عند مواجهته لمواقف التعلم، وبسبب التهديد الذي يستشعره من قائد الجماعة (المدرب) في دوره كأخصائي لمادة علمية معينه أو دوره كمقيم للسلوك، كما يرجع ذلك أيضا إلى المشاعر المتضاربة التي يحملها الفرد عادة في علاقته الاعتمادية على شخص يشغل مركز السلطة بالنسبة له (مثل الأب - والمدرس - والمدرب).
ويحتاج المدرب لكفاءة دوره وفاعليته أن يدرك هذه المعاملات البشرية ويعي أهميتها، وأن يتناولها بوعي وحساسية في إطار معاونته للمتدرب على إعادة التعلم - فيعد لهاويجري الإصلاح والتغيير فيها.

حاجات المدرب الفردية:

ويحتاج المدرب في دوره كقائد لجماعة التدريب وكعضو يشارك في نشاطها ويتبادل المعاملات البشرية مع أعضائها أن يعي حاجاته الفردية داخل جماعة التدريب وما قد تؤدي إليه من دفعه إلى معاملات لها أثرها ونتائجها على عمليات التعلم الفردي داخل جماعة التدريب، ويجب على المدرب في هذا الشأن أن يواجه نفسه بتساؤلات يحاول جاهدا أن يصل إلى إجاباتها الموضوعية، من هذه التساؤلات ما يلي:
- ما مدى الأثر الذي تحدثه دوافعه وحاجاته الفردية من تشويه لدوره في معاونة المتدرب وإعاقة كفاءة عملية تبادل المعاملات في مواقف تفاعلية مع أعضاء (جماعة التدريب) ؟
- من هذه الدوافع دافع التحكم في الغير، ودافع المحافظة على ذاتية الاعتماد، أو الحاجة إلى تدعيم صورة الذات والبحث عن تقدير الذات.
- ما مدى الأثر (أو رد الفعل) الذي تحدثه مشاعر الخوف لديه - واتجاهاته المضادة عند أعضاء جماعة التدريب، والتي قد تفقد المتدرب - نتيجة قيام عملية الكبت فيه - الصراع الصحي الذي يجب أن يعتمل داخله عند قيام عملية التعلم الفردي ؟
- ما مدى الأثر الذي يحدثه خوفه من إنشاء علاقات مع الغير عند أعضاء جماعة التدريب، وتفضيل المتدرب الاحتفاظ بمسافة نفسية بعيدا عن المدرب، بما ينقص من إمكانات قيام عملية تبادل المعاملات ناجحة بينه وبين المتدربين ؟ ولا يعنى التقارب بأن يحب المتدرب، ولكن ما نعنيه هنا هي قدرة المدرب على أن يدخل في عملية تبادل لمعاملات بشرية مع المتدرب - يقوم بالتخطيط المسبق لها - دون الحاجة إلى الرفض أو التعالي في القبول.

اتجاه القبول للمدرب:

يحضر المدرب معه إلى مواقف التدريب قدرته (أو عدم قدرته) على قبول المتدرب كشخص له اعتباراته الإنسانية بغض النظر عن نوع معاملاته، وتعرف قدرة القبول إجرائيا بأنها القدرة على احترام الغير والإصغاء إليه، والفصل ما بين الفرد كشخص له اعتباراته الإنسانية وبين النواحي غير المستحبة من سلوكه.
إن الطبيب الذي يكره ويعادي الأمراض إذا ما امتدت كراهيته وعدائه إلى الشخص المريض أصبح طبيبا غير كفء، وكثيرا ما يحسن المدرب بمشاعر الرفض للمتدرب وعدم قبوله نتيجة قصور معلوماته أو انخفاض مستوى قدراته ومهاراته في مواقف التدريب، أو قصور كفاءته في التعامل معه.
إن المستوى الذي عليه قدرة المدرب ومهاراته في أن يكون قائدا لجماعة التدريب ومشاركا في عمليات التفاعل بها - دون عوائق من حاجاته الفردية أو قصور اتجاهه لقبول المتدرب كشخص له اعتباراته الإنسانية، لعامل حيوي له أثره الكبير في عملية التعلم الفردي التي يمر بها الفرد داخل جماعة التدريب.