|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||
|
||||||
التفويض التشريعي .. حدوده وقيوده وآليات مراقبته - محمود صبره
35. التفويض التشريعي .. حدوده وقيوده وآليات مراقبته استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي الأصل، أن مجلس النواب يتولى سلطة التشريع. ويجوز له أنيُفوّض السلطة التنفيذية في إصدار لوائحوقرارات تنفيذية لها قوة القانون. ويَصدر هذا التفويض، عادة، لوزير أو من فيحُكمه في قانون يُقرّه المجلس. لكن هناك حدود للتفويض ينبغي على كل من المجلس والسلطة التنفيذية إلتزامها.ولضمان االتقيد بهذه الحدود، ينبغي أن تكون هناك آليات تسمح بمراقبة ممارسة السلطةالتنفيذية لذلك التفويض. ويُعتبر التفويض التشريعي بمثابة توكيل من الأصيل للوكيل طبقاًلقواعد الوكالة في القانون المدني. ومن ثم، تُعتبر اللوائح والقرارات التنفيذيةالصادرة بموجب التفويض تشريعا كما لو كانت صادرة من السلطة التشريعية مادامت تُنفّذفي حدود التفويض الصادر لها. لكن، مثل علاقة الوكالة، يخضع التفويض لقيدين؛ الأول،زمني، والثاني، موضوعي. ومن جهة القيد الزمني، تنتهي صلاحيته بزوال"المُوكل"، وهو في هذه الحالة المجلس الذي أصدره، وانتهاء مدته. ومنجهة القيود الموضوعية التي يخضع لها المجلس، أنه لا يجوز له أن يُفوّض غيره فيمسائل لا تقع ضمن اختصاصه؛ ومنها الحريات والحقوق الأساسية التي يختص بها الدستور،وكذلك القوانين المكملة للدستور. والأصل، أن التفويض التشريعي يقتصر على وضع تفاصيلما تضمنه قانون التفويض من قواعد عامة وتفسيرها بما يعكس إرادة المشرع ووضعالإجراءات العملية لتنفيذها. لكن، يجوز للمجلس أيضا أن يُفوّض السلطة التنفيذية فيوضع قواعد عامة تتصل بما نص عليه قانون التفويض. ومن المبادئ الدستورية أنهلا يجوز أن تتضمن اللائحة أو القرار التنفيذي ما يُعطل أو يُعدّل أو يَعفي منتنفيذ قانون التفويض. لكن هذا القيد ليس مُطلقا، ويجوز للسلطة التنفيذية أنتفعل ذلك إذا فوّضها القانون. فإذا كان القانون، مثلا، يَحظر بيع مواد خطرة مُعيّنةويُفوّض الوزير المختص في أن يضيف إليها أية مواد جديدة، يُمكن له أن يفعل ذلكويُعتبر هذا التعديل قد تم بتفويض من السلطة التشريعية. كذلك،لا يجوز للمجلس أن يُفوّض السلطة التنفيذية في موضوعات محجوزة حصرا له؛ ومنها التجريموالعقاب حيث تنص مادة (66) من الدستور المصري على أنه "لا جريمة ولا عقوبةإلا بناء على قانون". لكن هذا القيد أيضا ليس مُطلقا. ومن المبادئالدستورية أنه يجوز أن يتضمن القانون تفويضا خاصا إلى السلطة التنفيذية في تقريرالعقوبات لبعض الجرائم باستثناء الحالات التي اشترط فيها المُشرّع صراحة أنيتم تنظيمها بقانون؛ ومثالها، ما تنص عليه مادة (38) من الدستور المصري من أنه"لا يكون إنشاء الضرائب العامة أوتعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة فيالقانون." ومنجهة القيود الموضوعية التي تخضع لها السلطة التنفيذية، أنها تظل مُلتزمة بحدودالتفويض الصادر لها. فإذا تجاوزتها وتناولت موضوعات أخرى، يكون تصرفها مشوبا بعيب"اغتصاب السلطة". وتطبيقا لذلك، قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بأنتفويض وزير الداخلية- في مادة (99) منقانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 109 لسنة 1971-في أن يُحدد جهات وزارة الداخلية التي تتولىالاختصاصات المنصوص عليها فيه،لا يُجيز له إصدار قرارين؛ الأول، يتضمن لائحة جزاءات، والثاني، يتعلق بتنظيم وتشكيل القضاء العسكري بوزارة الداخلية،بالمخالفة لما نصت عليه المادة نفسها من أن الضباط يخضعون- بالنسبة إلى الأعمالالمتعلقة بقيادة قوة نظامية- لقانون الأحكام العسكرية، وأن المحاكم العسكرية هيالمختصة بتوقيع الجزاءات المُقرّرة في ذلك القانون. وفيحُكم آخر، قضت المحكمة بعدم دستورية قرار مُحافظ السويس الذي تضمن تقرير عقوباتجنائية على أفعال جَرّمها دون أن يكون ذلك بتفويض من قانون. كذلك قضت بعدم دستوريةقرار مُحافظ سوهاج الذي جَرّم "حيازة وتخزين" السمسم استنادا إلىقرار وزير التموين الذي ألزم المزارعين "بتوريد كامل إنتاجهم من محصولالسمسم" على أساس أن الجريمة التي أنشأها القرار المطعون عليه مختلفة فيأركانها عن تلك التي نص عليها قرار وزير التموين. كذلك، قضت بعدم دستورية القراربقانون الذي تضمن تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون في شأن تنظيمالتأمينات الاجتماعية للعاملين في الهيئة العربية للتصنيع على أساس أنه تجاوز حدودالتفويض الممنوح لرئيس الجمهورية ومنتزعا جانبا من الولاية التشريعية لمجلسالشعب دون سند من الدستور. وتجدرالإشارة إلى أن "لوائح التفويض" تختلف عن "لوائح الضرورة"التي تُجيز لرئيس الجمهورية أن يُصدرها، في حال عدم انعقاد المجلس، لاتخاذتدابير لا تحتمل التأخير، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها من المجلسلاحقا (مادة 156 من الدستور المصري). إذْ بينما تستمد الأولى مشروعيتها من قانونالتفويض، تستمد الثانية مشروعيتها من الدستور. ومنالمُثير للمفارقة أنه بينما يُوجِب الدستور صراحة على السلطة التنفيذية أن تعرضعلى مجلس النواب لوائح الضرورة (القرارات بقوانين) التي يُصدرها رئيس الجمهورية فيحالة عدم انعقاد المجلس لإقرارها أو الاعتراض عليها، يخلو من هذا القيد فيحالة "لوائح التفويض" التي تصدر في حالة انعقاده. وعلىعكس ذلك، يتضمن النظام الأنجلو-أمريكي آليات لمراقبة التزام السلطة التنفيذية بنطاقالتفويض الذي يُخوّلها إصدار اللوائح والقرارات التنفيذية. ومثالها، أن البرلمانالبريطاني يُحدد في قانون التفويض ما إذا كانت لوائح أو قرارات تنفيذية معينة يجبأن تُعرض عليه، أم لا، ويجوز له أن يرفضها، لكنه لا يستطيع أن يُعدلها. ويضمالبرلمان، من بين لجانه، لجنة تسمى "اللجنة المشتركة الخاصة باللوائحالتنفيذية" تختص بمراجعة اللوائح التي تُصدرها السلطة التنفيذية للتأكدمن أنها لا تتجاوز نطاق التفويض الممنوح لها. وإذا كانت اللائحة تقتصر على تناولمسائل مالية، تتم مراجعتها من قبل "اللجنة النوعية الخاصة باللوائحالتنفيذية" في مجلس العموم فقط. وفي الولايات المتحدة، توجد في مجلس الشيوخ لجنة تسمى "لجنة تدقيقالتشريع المُفوّض" مُهمتها مراجعة اللوائح التنفيذية التي تُصدرها السلطةالتنفيذية إستنادا إلى قانون التفويض. وفي رأينا، أن مراجعة اللوائح والقراراتالتنفيذية التي تصدر خلال مدة انعقاد البرلمان لا تقل أهمية عن مراجعة تلكالتي تصدر في أثناء عدم انعقاده، ومن المهم أن ندرس التجربة البرلمانية المعمولبها في النظام الأنجلو-أمريكي لتطبيق آليات تضمن عدم تجاوز تلك اللوائح والقرارات نطاقالتفويض الصادر بشأنها. |
|
|