العودة   أكاديمية التدريب الاحترافي > أكاديمية التدريب الاحترافي العامة > أكاديمية روائع الإسلام
 

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-07-2013, 02:35 AM
نهر الخير غير متواجد حالياً
نهر الخير
المراقبين
 


افتراضي شدة الحر




إن مما يدعو للاعتبار والتفكر في آيات الله ما نعيشه، ونواجهه هذه الأيام من شدة

حرارة الجو الذي ضاقت به صدور أقوام فتذمروا، وربما سخطوا وندبوا حظهم أن كانت

بلادهم بهذه الحرارة.

ولكن المسلم العاقل له نظرٌ آخر، نظر الاعتبار والتأمل في بديع حكمة الله.

وإن لشدة الحر حكماً ودلالات كثيرة أدعوك في هذا المقام للنظر والتأمل في شيء منها:

فمن ذلك : أن الله جعل هذا الحر سبباً لتطهير الأرض، وتنقية الأبدان، وطيب الثمار ونضجها.

ومن ذلك: بيان ضعف هذا الإنسان المخلوق الذي ربما تكبَّر على بني جنسه، وأخذته العزة بالإثم.

فالواحد منَّا قد لا يستطيع أن يقف الدقائق المتواصلة المعدودة في وهج الظهيرة، وما أن

يرتفع النهار حتى يبحث عن مكان يُكِنُّه، ويظلُّه عن الشمس، بل ويبحث لسيارته كذلك

مكاناً ظليلاً.

وربما اعتذر عن دعوة يدعى إليها بأن الحر شديد، وآثر أن يبقى في بيته حتى لا يتأذى

بشدة الحر.

ولا يقبل أن يشرب ماء إلا أن يكون مبرداً يدفع به ظمأ الهاجرة.

وبعض الناس ربما تغيرت أحوالهم، قل وساءت ألفاظهم لا لشيء إلا لأن الجو حار.

بل وصلت الحال أن يموت أقوام في بعض البلاد بسبب شدة الحر.

أليست هذه أمثلة تبين لك ضعف هذا الإنسان، وقلة حيلته؟!!.

اللهمَّ عاملنا بعفوك

ومن دلالات وحكم شدة الحر ما ثبت في \"الصحيحين\" من حديث أَبي هُرَيْرَةَ،

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :«اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ

رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ

مَا تَجِدُونَ فِي الْحَرِّ – من سموم جهنم- وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ البرد من زمهرير جهنم».

[ أخرجه البخاري(3260)، ومسلم(617)].

ومن الحكم والدلالات في شدة الحر أن يتذكر الإنسان وهو يمسح العرق عن جبينه

ويزيل أذيَّته بمنديله، أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : « تُدْنَى الشَّمْسُ

يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي

الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى

حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا». قَالَ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-

بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.[ رواه مسلم(2864)].

إن أشد ما نجده من الحر هو من فيح جهنم، هكذا أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

بهذا الأمر الغيبي، الذي يبعث في النفس المؤمنة مزيد إيمان وتصديق.

فشدة الحر تذكِّر بمصير الكافرين، والعاصين في نار جهنم وهم يصطرخون فيها.

ولئن اجتهدنا في اتقاء هذا الحر الدنيوي أو تخفيفه فأصلحنا وسائل التكييف والتبريد في

بيوتنا وسياراتنا وهذا حسن منَّا – إن شاء الله – ولكن ما هو اجتهادنا في اتقاء الحر العظيم

والسموم المقيم {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة:81].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ

حَرِّ جَهَنَّمَ »، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:« فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ

وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا». [رواه البخاري(3265)،ومسلم(2843)].

ولقد جعل الله نارنا هذه – نار الدنيا – جعلها الله تذكرة لنار الآخرة {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً}

[الواقعة:73].

فيا من تتلى عليه أوصاف جهنم، ويشاهد تنفسها كل عام- مرة أو مرتين - حتى يحس به،

وهو مصرٌ على ما يقض دخولها، ألك صبرٌ على سعيرها وزمهريرها ؟

{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} الفرقان.

اعلموا أن شدة الحر ليست عذراً في التكاسل عن واجب، ولا في الوقوع في محرم،

بل ولا في التهاون والتخلف عن مستحب، ولقد كان الصحابة – رضي الله عنه – يبايعون

رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، أي: في وقت

نشاطهم وإقبالهم، ووقت كُرههم وإدبارهم، ومن ذلك ما قد يلحق بعض النفوس من فتور

ورغبة عن الخير بسبب شدة الحر.

والأجر على قدر النصب والتعب.

وإن السلف الصالح لم يعرفوا شيئاً مما عرفناه من وسائل الراحة والتكييف، والتبريد،

وكانوا أحرص الناس على العبادة، وكانت مساجدهم المفروشة بالحصباء، والمسقوفة

بالجذوع والسعف، تمتلئ بهم ، ويحضر إليها صغيرهم قبل كبيرهم.

وبلغت بهم الحال إلى ما حدَّث به خَبَّابٍ – رضي الله عنه -قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ

-صلى الله عليه وسلم- فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ،...[ رواه مسلم (619)]

يعني في أرجلهم إذا قاموا للصلاة.

وقال أَنَسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الْحَرِّ

فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ.

[ رواه البخاري(1208)، ومسلم(620)].

وحدَّث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنهم يجمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

– أي يصلون الجمعة - إذا زالت الشمس ثم يرجعون يتتبعون الفيء – أي الظل، وما ذاك

إلا اتقاء لحر الشمس .

ولو ذهبنا نستعرض شيئاً من هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي أصحابه، وكيف كانت

همتهم في عبادة ربهم، وأنه لم يعقهم عن ذلك شدة حر، مع أخذهم بالأسباب المباحة

لتخفيف شدته، فمن ذلك:

ما حدَّث به أَبو الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا

صَائِمٌ إِلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَ عبد الله ابْنِ رَوَاحَةَ. [رواه البخاري(1945)،

ومسلم(1122)].

وروى مالك عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد رأيت رسول الله

صلى الله عليه و سلم يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر.[الموطأ(651)].

يعني وهو صائم.

بل إن شدة الحر لم تمنع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه من الخروج للجهاد،

ذروة سنام الإسلام، ففي صيف العام التاسع من الهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم

ومعه ثلاثون ألفاً من أصحابه مستجيبين لقوله تعالى :{ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا}[التوبة:41].

خرجوا لغزوة تبوك ولم يتخلف عن هذه الغزوة إلا منافق مغموس في نفاقه، أو رجل ممن

عذر الله من الضعفاء؛ وأما ظروف هذه الغزوة فاستمع إلى ما قاله كعب بن مالك في ذلك.

قال:\" وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ

تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا

وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا\".[أخرجه البخاري(4418)، ومسلم(2769)].

فهذه إشارات تدلكم على أن شدة الحر فيه من آيات الله الشيء الكثير، وإنه لم يكن مانعاً

يوماً من الدهر عن عمل صالح، وهكذا شأن أصحاب العقيدة، والإيمان الراسخ لا يفرحون

بالثمار والظلال، بل يؤثرون الحر والظمأ والجوع في سبيل الله، فهي غنيمتهم التي يدخرونها

لآخرتهم.

فاعتبروا وتأسوا بحال نبيكم صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن سار على دربهم من السلف

الصالح.

واعلموا أن ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة

يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه.


اللهمَّ قنا برحمتك عذاب الجحيم، واجعل منازلنا ووالدينا في جناتك جنات النعيم.

اللهمَّ أصلح أحولنا، وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهمَّ ولِّ علينا خيارنا، وقنا شر أشرارنا.

اللهمَّ! اجعلنا مجتمعين في هذه الدنيا على طاعتك، وفي الآخرة في دار كرامتك.

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ

رَحِيمٌ.



www.aldahsh.com






رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطوات التسجيل بدورة ( ثقافة العمل الحر والمشاريع الصغيرة ) قطقوطة أكاديمية الإعلان للبرامج التدريبية للمراكز والمعاهد التدريبية 2 09-13-2023 10:48 PM
دورات في القيادة الادارية الشاملة تعقد بالاردن الامارات الرباط الدر البيضاء اسطنبول مركز المجد للجودة أكاديمية الإعلان للبرامج التدريبية للمراكز والمعاهد التدريبية 1 09-11-2019 05:41 AM
خدمات تدريبية واستشارات وصياغة خطط فى التسويق الالكتروني مع المستشار امير محمد قطقوطة أكاديمية الإعلان للبرامج التدريبية للمراكز والمعاهد التدريبية 0 02-13-2015 10:02 PM
مع اشتداد الحر والصيف شاهد هذه الصور ( تقرير مصور ) ‏ mẨřЎặm..εïз أكاديمية روائع الإسلام 0 06-13-2012 12:46 AM
ترحيب بالمدرب المبدع الحر mẨřЎặm..εïз أكاديمية الملتقى للتدريب الاحترافي 0 10-09-2011 11:16 PM

Free counters!