تُعَدّ المنظَّمات اﻹدارية وفقاً لﻼتجاهات المعاصِرة في اﻹدارة منظَّمات اجتماعية، يُشكِّل اﻹنسان فيها العنصر اﻷول الذي يُعبِّر عن حيويتها وتفاعلُها، وبقدر ما يبذل اﻹنسان من جهد في أدائه وما يظهره من فعالية، فإنه ينعكس على فعالية المنظَّمة.. وإنّ التكوين اﻻجتماعيّ الذي تضمّه منظَّمات اليوم أصبح موضوع اهتمام الباحثين في مجال السلوك اﻹنسانيّ، فقد بذل المهتمّون بالبحوث السلوكية كل اهتمامهم لمعرفة الجوانب المختلِفة في سلوكيات أفراد التنظيم، وظهر الكثير من النتائج التي تبرهن على أهمية اﻻهتمام بالفرد والبحث عن مختلِف الجوانب التي تحقِّق له الظروف التي يستطيع من خﻼلها تقديم اﻷداء الذي يعود بالفائدة على كلٍّ من الفرد والتنظيم.إن المنظَّمات اﻹدارية ﻻ تعمل في فراغ، فهي تمارس نشاطاتها المختلِفة في ظلّ عﻼقات مُتشابِكة بين اﻷفراد بعضهم ببعض، تجمعهم مصالح متبايِنة منها ما يخصّ التنظيم باﻹضافة إلى المصالح الشخصية، وﻻختﻼف طبيعة هذه المصالح باﻹضافة إلى ما يوجد من فروقات فردية بين اﻷفراد، فإنّ الديناميكية التي ستعمل بها المنظَّمة قد تُوقِعها في بعض الصراعات التي تنشأ نتيجة لقيام اﻷفراد بأدوارهم المختلِفة؛ لذلك فإنه من الطبيعيّ أن يواجه الفرد الكثير من صور الصراع المتبايِنة، فقد يواجه صراعاً مع ذاته، بين طموحاته وقدراته واستعداداته، كما قد يُعانِي من صراع نتيجة لعﻼقاته مع اﻵخَرين أو بسبب اﻷنظمة اﻹدارية التي يتعامل معها، كما قد يُواجِه أيضاً صراعات مع البيئة الخارجية نتيجة ﻹفرازات اﻷنظمة اﻻجتماعية البيئية المختلفة.القيادة المستبصرةمن ذلك نﻼحظ أن القيادة هي التي تكون قادرة على قيادة اﻵخَرين من أجل تحقيق إنجازات متميِّزة وهذا النوع من القيادة يكون له السبق في فَهْم الوضع الحاليّ وما يؤثِّر فيه من مُستجدّات كما تكون قادرة على فَهْم ما سيكون عليه المستقبل حيث تنظر إليه بطريقة ذكية وتعمل على تطويعه لخدمة أهدافها..*فإن لم تستطع هذه القيادة تطويع المستقبل ليتﻼءم مع خُطَطها، أبدعت أساليب متطوِّرة وغيَّرت من خُطَطها لخلق ظروف أفضل للنجاح.*إنّ هذا النوع من القيادة يكون مُستبصراً للمستقبل آخِذاً بالحسبان إنجازاته في الماضي، فهذا النوع من القيادة كقائد السيارة، ينظر في معظم الوقت إلى اﻷمام لكنه يلتفت بين الفيْنة واﻷخرى في المرآة ليرى ما خلَّف وراءه.*هذه القيادة تكون قادرة بكل المقاييس على اﻹبداع والخلق وهي قادرة على إحاطة نفسها بأُناس قادرين على مدّ يد العون والمساعدة لها في أيّ وقت ﻹتمام الخُطَط التي وضعتْها، وهؤﻻء الناس هم دعامة القيادة الرئيسة وهم الفِرَق التي تحقِّق النجاح لها بشكل خاصّ وللمؤسَّسة التي يعملون فيها بشكل عامّ، حيث يسمو الهدف اﻷكبر لهذه الفرق على الهدف الخاصّ لكل فرد من أفراد الفريق؛ إذْ إنّ وجود الفِرَق يؤدِّي إلى طمأنة اﻷفراد خاصّة عندما يخرجون من نطاق "منطقة الراحة" التي تعوّدوا على العمل داخلها، فهم يشعرون بالراحة والطمأنينة ما داموا داخل هذه المنطقة، ويشعرون بشيء من القلق إذا خرجوا منها.*القيادة المستبصِرة تُخرج أفراد الفِرَق خارج منطقة الراحة ليتدربوا على ظروف وأعمال وأوضاع ليست مألوفة إليهم، وليتحصّنوا بالبصيرة وسَعة اﻷُفُق والتدرُّب على العمل بفعالية أكبر مع بعضهم، فنجد أنّ العمل خارج منطقة الراحة يضع الفِرَق أمام تحدٍّ ﻻنفعاﻻتهم ومَقْدرتهم الجسدية والعقلية كذلك.بين اﻹدارة.. والموظفينإن أساس تكوين العﻼقات الجيِّدة أو السيِّئة ينبُع من اﻹدارة، وطريقة تعاملها مع الموظَّفين وأسلوبها في التوجيه والتقييم، فمعاملة المدير العادِلة والمنصِفة للمُجتهِد والكسول ستنعكس على الموظَّف وبالتالي على إنتاجيته وانتمائه لعمله؛ لذلك ﻻ بدَّ من وضع أُطُر قانونية تكفُل حقوق العاملين وتحدِّد أدوارهم وتوفِّر لهم قنوات اﻻعتراض واﻻحتجاج على سلوك قد يعتقدون أنه غير عادل في حقهم.*من جِهة أخرى نجد أن ربّ العمل قدوة للموظَّفين في العمل واﻹنتاجية، فهو المشغل اﻷساسيّ الذي يدفع بهم إلى التطوُّر والنجاح، من خﻼل مراقبة أدائهم بطريقة تشاركية بعيدة عن العنف والتمييز في المعاملة، لكن ما يحدث في بعض المؤسَّسات هو العكس، فالمدير يتسلَّط على موظَّفيه لكونه صاحب السُّلْطة العليا، فيُباشِر بإطﻼق أوامره على الموظَّفين بشكل حادّ ويُنذِر ويُعاقِب كل موظَّف تخلَّف أو تأخَّر عن عمله دون اﻷخذ بأي عُذْر.ومن جانب آخَر نُﻼحِظ أن أصل العﻼقة بين الموظَّف والمدير أفقية وليست عمودية، قائمة على التعاون ومبنية على أُسُس متينة، لضمان درجة مناسِبة من اﻹنجاز والفاعلية، ونجد أن التشارُك في العمل موجود في مؤسَّساتنا ولكن بنسب متفاوِتة وهي بحاجة إلى توعية أكبر، ويأتي ذلك من خﻼل إقامة الندوات التأهيلية للموظَّفين والمديرين على حد سواء، من خﻼل أدوار محدَّدة وواضحة لكﻼ الطَّرَفيْن، ولقاء دائم وتعاوُن ومُتابَعة ومُراقَبة مِن قِبَل المدير واﻷهمّ أن يكون هناك مبدأ الثواب والعقاب لمن يستحقّ من الموظَّفين دون تمييز، ومِن الجدير بالذِّكْر أن المدير ﻻ يستطيع أن يقوم بأعمال المؤسَّسة بمفرده فالعمل مشاركة ومسؤولية وفي حالة اﻹنجاز والتميُّز يُفترَض أن يعود ذلك بالفائدة على الجميع فﻼ يوجد مُنشَأة تعمل وتُنتِج بواسطة شخص واحد، وﻻ بُدّ من اتّباع سياسة الباب المفتوح سواء أكان للموظَّفين أو للمراجِعين لسماع شكوى المظلومين وإنصافهم وإرضاء المستفيدين وتقديم الخدمات لهم.يمثِّل تمتُّع المديرين بالمهارات اﻹدارية الﻼزمة للقيام بأعباء وظائفهم الدعامة الرئيسة نحو تحقيق المنظَّمة ﻷهدافها، ويَعتمِد نجاح المنظَّمات وتميُّزها على كفاءة أداء المديرين فيها في مختلِف المستويات اﻹدارية، فالمدير الذي ﻻ يتمتَّع بحسّ إداريّ عالٍ وﻻ يُراعِي المواقف والظروف التي تحدث في المؤسَّسة فإنه لن يستطيع المضِيّ قُدُماً في ظلّ الظروف اﻻقتصادية الراهنة واشتداد حالة المنافسة بين الشركات، لذلك ﻻ بُدّ للمدير من شَحْذ هِمَم الموظَّفين في كل اﻷوقات والوقوف إلى جانبهم؛ ﻷن الموظَّفين يمثِّلون رأسمال الشركة ومن دون الموظَّفين فإن المدير وحده لن يستطيع أن يقف بوجه التحديات التي تُواجِهه.