إن حسن تدبر مكونات اﻷداء في العمل ومراعاة حوافز تنميتها وزيادتها يقرب العمل من تحقيق تمام اﻷهداف, والمرؤوسون هم دائماً أكبر دعائم العمل, وأهم أدوات اﻹنتاج, وعليهم واجبات أمام الله بخصوص هذا العمل, وهذه الواجبات تتمثل في اﻹتقان أوﻻً, وفي اﻹخﻼص لله ولرسوله وللناس وسائر المستفيدين من هذا العمل ثانياً , وإن الله يحب من أحدكم إذا عمل عمﻼً أن يتقنه , واﻹتقان درجات, ومستويات فعلية ومجازية؛ وقد تبدأ وجوه مستويات اﻹتقان بالعلم النظري بطبيعة العمل, والتنظير في أداءه, ثم وبمستوى أرفع قليﻼً ما يمكن أن أطلق عليه مستوى رفع العتب في أداء العمل, ثم إتقان سد الحاجة في أداء العمل, ثم اﻷرفع من ذلك ما قد أسميه إتقان بلوغ الحاجة, ثم إتقان الكفاية في أداء العمل, ثم ما أصفه بإتقان التطوير و التحسين النفعي للمنتج واﻹنتاج, ثم إتقان الجانب التوفيري في تكاليف إنتاج المنتج, ثم في كميته, ثم في أساليب توزيعه, وفي زمن إنتاجه, ثم الجمع بين التحسين النفعي والتحسين اﻻقتصادي التوفيري للتكاليف ثم إتقان إضافة الكماليات للمنتج, وتحسين الرفاهية النفعية له, ثم المحافظة على النوعية الجيدة للمنتج, . . . وهكذا. وهؤﻻء المرؤوسون؛ لهم أيضاً مشاعر إنسانية, وحوافز وآمال وبواعث, وفضائل ونقائص, مثل الرؤساء تماماً,ومثل جميع البشر, وليسوا أبداً أقل أهمية, وﻻ أقل مكانة, وﻻ أقل احتراماً في العمل, والدينار في مكانه قنطار, والماء أهون موجود وأعز مفقود, وأحب الناس إلى الله أنفعهم لعباده . فاحترام المرؤوسين ﻷنفسهم, وشعورهم بأهمية كونهم فضﻼء, ﻻ يقل بحال عن شعور أي مدير بأهميته, وﻷن المرؤوسين في صفوفٍ أدنى من المدير في العمل؛ فإنهم حين يتعاملون معه, ﻻ يتوقعون أنه؛ أي المدير, سينصفهم في حصتهم الحقيقية من التقدير, ويداخلهم الشك دائما في أسلوب تعامﻼته, بل هم يبحثون عن أية عﻼمة يتوهمون منها أنه ينظر إليهم نظرة دونية, ويتلمسون أية إشارة توحي أنه ينظر إليهم نظرة استعﻼء أو احتقار, إن حسن معاملة المديرين للموظفين بجميع طبقاتهم ومستوياتهم, وكل من زاويته وطبيعته, والتعامل معهم بعدالة واحترام وإنصاف يبعث فيهم الدافع ﻷداء العمل على أتم وجه ممكن, ويقول الشاعر:ﻻ تحقرن صغيراً في معاملة إن البعوضة تدمي مقلة اﻷسدويقول ص: (العامل إذا استعمل, فأخذ الحق, وأعطى الحق؛ لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته) رواه الطبراني, وهذا اﻹنصاف ﻻ يلغي أن على المدير أن يلوح بعصا العز وﻻ يضرب بها, وﻻ أن من أمن العقوبة أساء اﻷدب, ولكن يبقى التقدير واﻹنصاف أبلغ في إثارة الحافز الدافع للعمل, وأكثر جدوى من أي عقاب أو ثواب, فالدافع هو أحد مكونات معادلة اﻷداء:*اﻷداء = القدرة x الدافع x العوامل اﻷخرىفإذا وُجِدت القدرة المتمثلة في الكفاءة والمؤهﻼت العلمية والتنفيذية واﻹمكانات الكامنة والمكتسبة, دون أن يوجد الدافع, نتيجة العﻼقات والتعامل اﻹنساني, ( أي أن الدافع = صفراً), فإن اﻷداء يساوي صفراً (ﻷن صفراً مضروباً في أي عدد = صفراً, حقيقة حسابية), ومن بين أهل الجنة كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه مسلم (ذو سلطان مقسط) أي متجرد منصف, ويقول تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء58, وكذلك الحال, إذا توافرت الدوافع, و انعدمت القدرة, (أي أن القدرة = صفراً), فإن قيمة اﻷداء ستساوي صفراً أيضاً, ومن معاني اﻷمانة وضع الشيء في مكانه الجدير به, والﻼئق له, والرجل المناسب, صاحب القدرة والجدارة, في المكان المناسب فﻼ تؤدى مهمة إﻻ بالموظف الذي ترفعه كفايته إليها, فعلى المدير أن يصطفي لﻸعمال أحسن الناس قياماً بها فإذا مال عنه إلى غيره؛ لهوىً في نفسه, أو كسل في همته, أو رشوة وصلته, أو قرابة أخجلته, أو غير ذلك, فقد ارتكب بتنحية القادر, جريمة خيانة اﻷمانة, وارتكب بتولية العاجز, جريمة هدم البناء, هذا فضﻼً عن أنه أشاح بدوافع الموظفين وبواعثهم عن أي اهتمام بالعمل, بل على العكس حفز المرؤوسين إلى اﻹهمال والتكاسل وعدم اﻻهتمام والﻼمباﻻة, وعزز في يقينهم أن قنوات الفضيلة ومظاهر الهمة واﻷمانة هي قنوات مهدورة! وفي الحديث: (إذا وسد اﻷمر لغير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري, ويقول ص: (تحروا الصدق وإن رأيتم أن الهلكة فيه, فإن فيه النجاة) رواه ابن أبي الدنيا, ويقول ص: (وإنها أمانة, وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة, إﻻ من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) رواه مسلم, ولذا؛ فإن المدير مطالب بأن يحرص؛ وبهمة عالية, على العدل واﻹنصاف, ودون أدنى تكلف وﻻ محاباة .*