|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||
|
||||||
الفن الزخرفي في الإسلام
فن الزخرفه فن الإسلام
الفن الزخرفي شأنه شأن الفنون البصرية الأخرى قد تشكل كخطاب من ائتلاف عقلي روحي ليكون بالنتيجة نصاً تطالعه البصائر ( لا النظر ) ، وذلك ما دأبت عليه كل الفنون الرمزية والتعبيرية والتجريدية ، والفن الزخرفي كذلك قد وجد من عالم لا مرئي ، ومذاقاته موائد مطلقة تمده بمعطيات يستطيع من خلالها أن يتحرر من عبودية الأطر المحدودة . إن عالم الحس أو الدنيا ( كظاهر ) قد نال حظاً أوفر من الاهتمام في ميدان الفنون التشكيلية عبر تنوعات من الأساليب والمدارس ، في حين أن الظواهر لا تمثل إلاّ ركيزة من ركائز الحقيقة التي أُعْلنت كهوية ، إنها ( الأول والآخر والظاهر والباطن ) ، فالظاهر لا معنى له إذا ما تم تجريده عن حقيقته الأولى التي انبثق عنها ، ولا معنى له إذا ما انفصل عن مآله وآخرته ، كما أنه لا وجود له بمعزل عن حقيقته الباطنة أو الجوهر الذي أظهره للوجود بعد أن كان مغيباً . من هنا يتضح أن البحث عن الحقيقة يفترض به أن لا يهمل تلك الركائز الأربعة ، ليكون الخطاب حاملاً بحق بصحة الحقيقة ، ومعبراً عنها ، وكلما اتجه البحث التشكيلي إلى تجذيب ذاته والتخلص من زياداته ومغادراً ذلك الاستغراق في وصف ركيزةٍ ما على حساب غيرها من الركائز ، كلما اقترب من نقطة الحقيقة ، فالنقطة تستدعي أقصى حالات الاقتصار والتجريد للوصول إلى القليل الدال أو بمعنى آخر للوصول إلى حقيقة النقطة ، والتي عبر عنها علي بن أبي طالب : " العلم نقطة كثرها الجاهلون " . إذا أجرينا تحليلاً للفن الزخرفي ، نجده عبارة عن تكرارات لمفردة واحدة ، أي : لنقطة واحدة يلح بها الفنان من أجل أن نتأمل أبعادها ، فالبعد الأول الذي يتجلى لنا هو البدء ، أي أن هناك بداية تكفلت مساراً بصرياً ، حتى وصلت معه إلى نهاية ، أو ما يطلق عليه آخر ما وصل إليه الامتداد الزخرفي ، وما من شكٍ أن الفاعل أو الذي أظهر البداية والنهاية هو الفنان ، وأن الفنان قد تجلّى لقدرة وطاقة وفاعلية ووجود إضافي في زخرفته ، فلولاه لما وجد هذا النوع من الفن ، أي : إن الفن الزخرفي ظهر بفضل الفنان ، كما أن لهذا الفن كوامن تبطن فيه ، وأقل هذه الكوامن ، كون هذه الزخرفة تمثل فعلاً وفكرة وإرادة وقابلية وتمكين ، وغير ذلك من أوصاف يستحقه النسيج الزخرفي ، من هنا يتضح أن الزخرفة كتجريد ، استطاعت بجدارة أن تحمل خطاباً يأتلف فيه الظاهر والباطن والأول والآخر ، فكان خطاباً بصرياً معبراً عن تلك الثنائيات . القرآن الكريم بوصفه خطاباً يحمل كل المعرفة الإلهية التي تختص بعالم الوجود أعلاه وأسفله ، دقيقةً وكبيرة ، جميلة ً وجليلة ، وهو يمثل عوالم ( التشيوء ) ، أي : تلك التي جعلها الحق أشياءً بعد أن كانت في مخزون العماء . . شكل هذا الخطاب المعين الأعظم الذي يضرب كل ذي خطابٍ اللجوء إليه . فوجد فيه الفنان المزخرف المصدر الأعم والأشمل الجامع لما سلف ، والحاضن لما هو آت . . فالمزخرف المسلم بدلاً من أن يسند خطابه شكلاً وباطناً لفكرٍ سابق ، اتخذ من الخطاب القرآني ، ومن ثم الخطاب الديني – الصوفي مرجعيات له ، باعتبار أن القرآن فيه خبر ما كان ويكون وما هو كائن ، وإن الخطاب الصوفي عبارة عن أبعاد تأويلية للنص المقدس . إن الخطابين القرآني والصوفي قد توجها بالشرح بثلاثة أبعاد يشكلان في الحقيقة ، حقيقة واحدة ، تلك هي ( الذات الإلهية ) ، فالرب والكون والإنسان ما هي إلاّ مرائي متقابلة تتكرر فيها حقيقة صورة الذات المطلقة ، وإن المرائي والصورة والتكرار ما هي إلاّ توجه الذات وإرادتها كما تحب وترضى كنت كنزاً مخفياً أحببت أن أُعرض فخلقت الخلق . والفنان المزخرف المسلم حين أسند بحوثه إلى الخطاب القرآني ، إنما أراد أن يؤصل بحثه بحقيقة تحفظه من الزوال وتجعله يشع بالجمال والحيوية والنقاء ، وملهماً للذائقة بأصناف المعارف . . باختصار شديد ، استطاع والفنان المزخرف المسلم أن يتماهى في الحقيقة كالصوفي ، فكان فنه انعكاس عن ذلك الانغماس الروحي العذب . إن التكرارات التي تتألف منها الزخرفة ، واستناداً إلى تلك المسلمات ، ما هي إلاّ ذكراً لوصف من أوصاف الذات التي تجلّت في الوجود ، تماماً مثلما يكرر الصوفية في طقوس الذكر اسماً أو صنعةً من أوصاف الذات ، والذكر هنا نقيض النسيان ، ذلك لأن النسيان لا يتناسب مع المتألّه أو الرباني ، وإن الإنسان لا يمكنه بلوغ رتبة الفناء في الحق ، ما لم يكن كلهُ مستغرق في كلّهِ ، ولا يتم هذا إذا كانت فيه بقية من ناسوتيته ، لأن ( الناس من ناسِ ) والحق لا يُنسى جلّ في علاه . فالتكرار هنا تذكير وتأكيد على الحقيقة ، وأن المزخرف قد استهل هذا التأكيد من الخطابين القرآني والصوفي ، لما وجد فيها من أهمية ، فالقرآن الكريم حافل بالتكرارات ، والذكر الصوفي يحمل الخاصية ذاتها ، وكل واحدة منهما صدىً للحقيقة الخالدة ، ويميل إليها والتكرار الزخرفي هو الخطاب البصري الذي أراد أن تكون له مشاركة في هذه الدعوى والإرشاد . والتكرار في حقيقته مواصلة المرابطة مع الحق ظاهراً وباطناً ، فالخطاب القرآني حين يكرر آياته ، إنّما يريد بذلك إحالة المستلقي إلى الحقيقة المطلقة لتبقى مدار بحثه وتأمله ، وتكرار الذكر الصوفي يسعى للاتجاه ذاته . والفن الزخرفي لا تفوته المشاركة المقدسة بصرياً ليميل الذائقة إلى الخطابين ، ليجدوا طريقهم إلى الحقيقة المطلقة . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فن الإدارة في الإسلام | أم غلا | أكاديمية إدارة الموارد البشرية | 2 | 05-06-2024 05:01 AM |
الإسلام والموهبة | د. وديع إلياس | أكاديمية الموهبة والإبداع | 4 | 04-01-2024 05:13 AM |
مبادئ التنظيم الإداري في الإسلام | أم غلا | أكاديمية إدارة الموارد البشرية | 1 | 12-08-2023 08:35 AM |
الشاب الياباني كوجو ودخوله الإسلام | mẨřЎặm..εïз | أكاديمية القصص التدريبية | 1 | 12-27-2011 07:57 PM |
ساهم في نشر الإسلام وأنت مرتاح في مكتبك بأيسر وأسهل الطرق ( موضوع متكامل ) | mẨřЎặm..εïз | أكاديمية روائع الإسلام | 0 | 07-18-2011 04:53 PM |