من الحقائق التي أكدتها اﻷبحاث العلمية أن أي عمل إداري ناجح ﻻ بد له من إدارة ناجحة موفقة تدفعه إلى اﻷمام، وهذا ما يؤكد قيمة العنصر البشري، فعلى الرغم من التقدم الهائل في وسائل التقانة والتكنولوجيا الحديثة فإن العنصر البشري يحتل مكانة رئيسية في توجيه العمل اﻹداري.واﻹنسان... أي إنسان، له دورة حياة فعالة محدودة، طولها يعلمها الخالق العظيم فقط، قد تطول وقد تقصر، ولكنها في كل اﻷحوال محدودة.ونظراً لتلك المحدودية وما يصاحبها من حدوث عجز ﻹنسانها أو موت في أي لحظة فإن اﻹنسان الذكي والدولة الذكية كﻼهما يجب أن يحرص على تعظيم اﻻستفادة مما هو متاح منها قبل فوات اﻷوان، وبالذات لكل من هو متميز أو مبدع، ﻷنه فرصة قد ﻻ تتكرر إﻻ بإذن خالقها العظيم.وفي المعتاد وقبل طفرة تكنولوجيا المعلومات واﻻتصال والحاسبات قسمت دورة حياة اﻹنسان الفعالة إلى ثﻼث مراحل: (اﻷولى) وهي اﻷخذ واﻻستكشاف والتنمية حتى الخامسة والعشرين, والمرحلة الثانية العطاء واﻹبداع حتى الخمسين عاما, والثالثة هي الرؤية والحكمة.أما في ظل طفرة التكنولوجيا فقد تحركت هذه المراحل إلي اﻷمام خمس سنوات في المتوسط مع زيادة قدرة وجوده, ونوعية فاعلية كل مخرجات كل مرحلة إلي ثﻼثة أضعاف ما كانت عليه سابقا, وذلك بسبب ما تقدمه هذه التكنولوجيات للفرد, وتساعده علي زيادة معدﻻت تنمية عقل وشخصية الفرد خﻼل فترة دورة حياته وبالذات المرحلة اﻷولي من حياته.إن المرحلة اﻷولي مهمتها الرعاية واستكشاف الميول, وتغذية العقل وتنمية المهارات والسلوك. وتعتبر تلك المرحلة من أهم وأخطر المراحل باعتبارها تطوير البنية التحتية لﻺنسان, وهي في ذات الوقت مرحلة التشكيل, وصياغة الشخصية, وبقدر خطورتها بقدر تعقدها لتداخل كل كيانات الدولة والمجتمع في مدخﻼتها وبالذات التعليم واﻹعﻼم واﻷسرة, إنها مرحلة اﻷخذ واﻻستقبال بشكل مباشر والتدريب على القدرة علي العطاء من ناحية واﻹبداع من ناحية أخرى.أما المرحلة الثانية في العطاء واﻹبداع وتحقيق اﻷحﻼم أو مرحلة جني الثمار فإنها مرحلة النضوج يعطي فيها الفرد ما تعلّمه وتدرب عليه ونميت فيه مهارته, والتي تعكس إبداعاته. ونجاح هذه المرحلة يعتمد بشكل مباشر علي الحكومة لتوفير المناخ والبيئة التي تساعد الفرد علي التفرغ للعطاء وتفجر الطاقات, وبالتالي اﻹحساس بالذات وبعده اﻻنتماء. وبقدر ما هي مسئولية الحكومة فهي مسئولية الفرد نفسه في البحث عن الفرصة التي تتوافق مع إمكاناته. وﻻ تقل هذه المرحلة خطورة عن المرحلة اﻷولي ﻷنها الفترة التي يوظف فيها الفرد ويستغل لصالح المرحلة الثانية لتحقيق خطط التنمية الشاملة.وتأتي المرحلة اﻷخيرة, وهي الرؤية والحكمة, حيث اكتمل رصيد الخبرات والمعرفة, وأصبح الفرد قادرا علي نقلها موفرا طول السنين. إنها مرحلة ربط الماضي بالمستقبل أو توظيف الماضي لصالح المستقبل. إنها مرحلة القدرة علي إدارة شئون الحياة بأقل جهد ممكن من خﻼل رؤية بانورامية لكل العوامل المؤثرة في مجتمعه.وإذا كان لﻺنسان دورة حياة من ثﻼث مراحل تتابعية متصلة متراكمة فإن للمجتمع دورة حياة موجية شبه ﻻ نهائية علي مدي التاريخ. أي شريحة زمنية خﻼلها توجد فيها المراحل الثﻼث لدورة حياة اﻷفراد آنيا لتتكامل وتنصهر وتصنع النسيج المطلوب ﻹدارة حياة المجتمع. ومن ثم فإن ارتفاع جودة المراحل منفصلة يتطلب توافرها ﻹحداث التغذية المتبادلة لتنمية المجتمع وتطوره وضمان استقراره.ولو استوعب المخططون للتنمية البشرية دورة حياة اﻹنسان لعظمت قيمة اﻻستفادة, ولو أدركوا أن اﻹنسان أعظم تكنولوجيا العصر وكل عصر, ﻷنه من صنع الخالق عز وجل لعظمت قيمة الرعاية واﻻحتضان, ولو علموا أن الدول تقاس بقيمة إنسانها لكان الحال غير الحال, فاﻹنسان هو حجر اﻷساس لبناء الدولة, ومصدر تطورها وإبداعها, فما بالكم ونحن في عصر المعرفة والعقل والذكاء.واﻹسﻼم يحثنا بقوله تعالى: (إن الله ﻻ يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) على اﻻهتمام بواجب التغيير الذي يخصنا كقوم ومجتمع، هذا التغيير الذي ينبغي أن نقوم به، يتعلق بما باﻷنفس.فلقد منح الله اﻹنسان القدرة على أن يغير ما بنفسه وينتقل من حالة إلى حالة أخرى، واﻻنتقال من الحالة الدنيا إلى الحالة العليا هو المقصد من اﻷمانة، التي جاء ذكرها بقوله تعالى: (إنا عرضنا اﻷمانة على السموات واﻷرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها اﻹنسان إنه كان ظلوماً جهوﻻً..)ظلوماً إن فهم هذا ولم يعمل به، وجهوﻻً إن ظل قانعاً بجهله دون أن يتعلم وهو يستطيع أن يتعلم لو أراد فعلينا أن ننظر إلى المجتمع على أنه كائن له كيانه الخاص به، له ذكاؤه وله اجتهاده، ﻷن مصيره ومستقبله كمجتمع في هذه الحياة، متعلق بمقدار تهيئة نفسه للقيام بهذه المهمة، مهمة تغيير ما باﻷنفس.ومن هنا يتبين لنا أن الجهد المجدي للبشر في محاولتهم تغيير المجتمع من الشر إلى الخير أو بالعكس منطلقه اﻷنفس، فكل إنسان ومجتمع مسؤول عن نفسه وعن تطوره وﻻ يجب اﻻنتظار من اﻵخرين أن يطوروه أو يزودوه بهدف أو طموح، الحياة كلها مبنية على مواجهة التحديات التي تعترض طريق التقدم، سواء كانت هذه التحديات ناتجة عن اﻵخرين أو حتى عن ظروف طبيعية.