أكاديمية التدريب الاحترافي

أكاديمية التدريب الاحترافي (https://www.aptksa.org/vb/index.php)
-   أكاديمية روائع الإسلام (https://www.aptksa.org/vb/forumdisplay.php?f=50)
-   -   الْحَيَاءُ مَعْدِنُ الْخَيْرِ (https://www.aptksa.org/vb/showthread.php?t=2450)

د. وديع إلياس 07-03-2011 08:12 AM

الْحَيَاءُ مَعْدِنُ الْخَيْرِ
 


الْحَيَاءُ مَعْدِنُ الْخَيْرِ

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ خِلَالِ الدِّينِ ، وأَنْبَلِ أَوْصَافِ عِبَادِ اللَّـهِ الْمُؤْمِنِيــنَ ، وَأَجَلِّ شُعَبِ الْإِيمَانِ الْحَيَاءَ ، وَهُوَ خَصْلَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَخَلَّةٌ كَرِيمَةٌ ، تَبْعَثُ عَلَى التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ ، وَالتَّخَلِّي عَن الرَّذَائِلِ .
وَهُوَ مَعْدِنُ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ ، وَمَنْبَعُ الْمُعَامَلَـاتِ الْكَرِيـمَةِ ، وَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ -كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرِ .
ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ:«الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» (1).
وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ: دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ»(2).
وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ» (3).
وَالْحَيَاءُ مُشْتَقٌّ فِي أَصْلِهِ مِنَ الْحَيَاةِ ؛ فَكُلَّمَا عَظُمَتِ الْحَيَاةُ فِي الْقَلْبِ عَظُمَ الْحَيَاءُ ، وَكُلَّمَا ضَعُفَتِ الْحَيَاةُ فِي الْقَلْبِ وَالرُّوحِ ضَعُفَ الْحَيَاءُ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ».
وهو مِنْ أَفْضَلِ الْخِصَالِ وَأَكْمَلِ الْخِلَالِ وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا وَأَكْبَرِهَا عَائِدَةً، وَكُلَّمَّا كَانَ الْعَبْدُ مُتَحَلِّيًّا بِالْحَيَاءِ كَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لَهُ وَسَائِقًا إِلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ ، فَمَنْ كَانَ ذَا حَيَاءٍ حَجَزَهُ حَيَاؤُهُ عَنِ الرَّذَائِلِ، وَمَنَعَهُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ.
وَأَمَّا مَنْزُوعُ الْحَيَاءِ ، فَهُوَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ - لَا يُبَالِي أَيَّ رَذِيلَةٍ اَرْتَكَبَ ، وَأَيَّ كَبِيرَةً اقْتَرَفَ ، وَأَيَّ مَعْصِيَةٍ اجْتَرَحَ ؛ فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَـارِيِّ» عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيَ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» (4).
فمَنْزُوعُ الْحَيَاءِ لَا يُبَالِي فِي أَعْمَالِهِ ، وَلَاَ يَتَوَقَّى فِي أُمُورِهِ ، فَهُوَ لَا يَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ ، وَلَا يَسْتَحِي مِنْ عِبَادِه.
فَمِنَ النَّاسِ مِنْ قِلَّةِ حَيَائِهِ لَا يُبَالِي بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشِيعُهَا وَيُشْهِرُ نَفْسَهُ بِهَا وَيَتَحَدَّثُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَكَأَنَّهُ يَتَحَدَّثُ عَنْ أَفْضَلِ الْخِصَالِ وَأَطْيَبِ الْخِلَالِ!
وَأَعْظَمُ الْحَيَاءِ وَأَوْجَبُهُ، وَأَجَلُّهُ قَدْرًا وَأَفْضَلُهُ : الْحَيَاءُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، الْحَيَاءُ مِمَّنْ أَوْجَدَكَ - أَيُّهَا الْإِنْسَانُ - وَمَنَّ عَلَيْكَ بِصُنُوفِ النِّعَمِ وَأَلْوَانِ الْمِنَنِ ، وَمَنْ هُوَ بِكَ عَلِيمٌ وَعَليكَ مُطلِعٌ.
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «الزُّهْدِ»، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي «شُعَبِ الْإِيمَانِ» : «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم: أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّـهِ كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ» (5).
وَيُحَرِّكُ فِي الْقَلْبِ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّـهِ:
· تَعْظِيمُ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا.
· وَحُبُّهُ سُبْحَانَهُ.
· وَالْعِلْمُ بِرُؤْيَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ.
فَهَذِهِ الثَّلَاثُ مُحَرِّكَاتٌ لِلْقُلُوبِ؛ مَتَى مَا كَانَ الْقَلْبُ مُعَظِّمًا لِـرَبِّهِ عز وجل ، مُحِبًّا لَهُ - سُبْحَانَهُ - عَالِمًا بِاطِّلَاعِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ؛ تَحَرَّكَ الْقَلْبُ حَيَاءً مِنَه - جَلَّ وَعَلَا - .
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ»، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي «جَامِعِهِ» ، عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا لَنَسْتَحْيِي -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ-. قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ؛ وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّـهِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» (6).

أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ فِيهَا جِمَاعُ الْخَيْرِ:
الْأَوَّلُ وَالثَّانِي : حِفْظٌ لِلرَّأْسِ وَحِفْظٌ لِلْبَطْنِ ، وَهُمَا أَثَرُ الْحَيَـاءِ - حَقًّا - وَنَتِيجَتُهُ وَثَمَرَتُهُ ؛ فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُفْعَمًا بِالْحَيَاءِ مِنَ اللَّـهِ - جَلَّ وَعَلَا - بَعَثَهُ حَيَاؤُهُ وَسَاقَهُ إِلَى حِفْظِ رَأْسِهِ وَبَطْنِهِ .
وَحِفْظُ الرَّأْسِ يَشْمَلُ : حِفْظَ الْبَصَرِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ ، وَحِفْظَ السَّمْعَ مِنْ سَمَاعِ الْحَرَامِ ، وَحِفْظَ اللِّسَانِ مِنَ الْكَلَامِ الْحَرَامِ، وَحِفْظَ الْوَجْــهِ عُمُومًا مِنْ مُقَارَفَةِ خَطِيئَةٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ.
وَحِفْظُ الْبَطْنِ يَتَنَاوَلُ عَدَمَ إِدْخَالِ مُحَرَّمٍ فِي الْجَوْفِ ، وَيَتَنَاوَلُ - كَذَلِكَ - حِفْظَ الْقَلْبِ بِالْأَخْـلَاقِ الْفَـاضِلَةِ ، وَتَجْنِيبَهُ رَدِيئَـهَا وَسَيِّئَـهَا ، وَيَتَنَاوَلُ -كَذَلِكَ- حِفْظَ الْفَرْجِ مِنْ غِشْيانِ الْحَرَامِ.
وَالْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ فِي الْحَدِيثِ وَهُمَا قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» فِيهِمَا ذِكْرٌ لِأَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ إِذَا اسْتَقَرَّا فِي الْقَلْبِ تَحَرَّكَتِ الْفَضَائِلُ فِيهِ ؛ فَمَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ سَيَمُوتُ وَيَبْلَى ، وَأَنَّهُ سَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَأَنَّ اللَّـهَ عز وجل سُيُحَاسِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا قَدَّمَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ؛ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ - جَلَّ وَعَلَا - مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ وَخِصَالٍ مَشِينَةٍ ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللَّـهِ عز وجل إِقْبَالًا صَادِقًا بِإِنَابَةٍ، وَحُسْنِ عِبَادَةٍ، وَتَمَامِ إِقْبَالٍ.
اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا مَنَّانُ يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ يَا مُحْسِنُ: ارْزُقْنَا أَجْمَعِينَ الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.
اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ.



(1) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (ح6117)، وَمُسْلِمٌ (ح37).
(2) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (ح6118)، وَمُسْلِمٌ (ح36).
(3) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (ح9) وَمُسْلِمٌ (ح35).
(4) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (ح6120).
(5) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ (ص46)، وَالْبَيْهِقِيُّ فِي الجَامِعِ لِشُعَبِ الْإِيمَانِ (ح7343) مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْألْبَانِيُّ فِي الصَّحِيحَةِ (741).
(6) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ (ح3671) ، وَالتَّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ (ح2458)، ضَعَّفَهُ أَحْمَد شَاكِر وَحَسَّنَهُ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ .


الْحَيَاءُ مَعْدِنُ الْخَيْرِ


لفضيلة الشيخ : عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر - حفظهما الله -


















الساعة الآن 10:40 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
adv helm by : llssll