*تتسم بيئة العمل بشكل عام في وقتنا الحاضر بسمات ومعالم فرضت على اﻹنسان العامل أن ينتج أكثر, وأن يعمل أطول, وأن ينافس أشد للبقاء في وظيفته, ولكل هذه الظروف نتائج وآثار سلبية في نفسية اﻹنسان وصحته. ضغوط العمل ومتطلباته الكثيرة هي عند كثير من الناس العامل رقم واحد في الضغط عليه نفسيا وصحيا, حتى اجتماعيا. وضغوط العمل تعرّف على أنها تلك الضغوط التي يحدثها العمل أو التي يتعرض لها العاملون في بيئة العمل, إما لطبيعة العمل وإما نتيجة لممارسات ترتبط بنظام العمل بشكل مباشر أو غير مباشر ولفترة طويلة من الزمن. فهذه الضغوط من وجهة النظر الطبية حالة غير طبيعية وينتج عنها توتر عند اﻹنسان بفعل زيادة إفراز هرمون اﻷدرينالين الذي يزيد من دقات القلب ويدخل الجسم في حالة طوارئ, ولكن هذا الوضع مقدر له أن يكون لفترة زمنية قصيرة, ولكن عندما تمتد هذه الفترة فإن هذا ينعكس سلبا على صحة اﻹنسان البدنية والنفسية.هناك كثير من الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن ما يقارب من 70 في المائة من الناس ممن يقرون بأنهم يشعرون وبدرجة كبيرة بضغوط العمل, وأن كثيرا من المشكﻼت الصحية التي يعانيها هؤﻻء الناس لها ارتباط وثيق بما يتعرضون له من ضغوط في العمل. من المظاهر المرتبطة بضغوط العمل مثﻼ الشعور بالقلق المستمر, وهذا هو ربما نتيجة لعدم قدرة ذلك اﻹنسان العامل على اﻹيفاء بمتطلبات عمله أو التنسيق بينها وبين المتطلبات اﻷخرى للحياة. ومن اﻷعراض اﻷخرى لضغط العمل اﻻكتئاب وسوء الهضم والشعور بالصداع المزمن واﻹصابة بارتفاع ضغط العمل والزيادة في دقات القلب واﻹحساس بشد في عضﻼت الجسم. وضغط العمل مشكلته أيضا أنه ﻻ تنحصر نتائجه السلبية في مكان العمل بل تنتقل معه إلى بيته, وهنا قد تحدث بسببه مشكﻼت أسرية وتوتر في العﻼقات الزوجية وإهمال لشؤون البيت واﻷسرة ورعايتها بالشكل المطلوب. بل إن اﻵثار ربما تمتد إلى التأثير حتى في عﻼقات الموظف اﻻجتماعية ويصبح اﻹنسان أكثر انعزاﻻ وأقل تواصﻼ وتفاعﻼ مع المجتمع.وبالطبع فإن الشركات والمؤسسات هي اﻷخرى تتضرر من نتائج ضغوط العمل التي يتعرض لها موظفوها, فتدني اﻹنتاجية وكثرة الغياب بدواع مرضية وتوتر العﻼقات بين الموظفين وإثارة بعض المشكﻼت في بيئة العمل, هي كلها بعض من النتائج السلبية التي تعانيها الشركات من الموظفين الذين يشعرون بضغوط العمل. وعندما تحسب القيمة اﻻقتصادية لمثل هذه النتائج السلبية وجد أن من الضروري واﻷجدى اقتصاديا أن تبادر الشركات لمعالجة هذه المشكلة ومساعدة الموظف والعامل على التخفيف من هذه الضغوط. كثير من الشركات اليوم لديها برامج خاصة, وربما حتى إدارات معينة ومتخصصة لمساعدة الموظف على إدارة انفعاﻻته بشكل إيجابي, وأظهرت نتائج كثير من الدراسات الميدانية أن تقديم هذا النوع من المساعدة للموظف له مردود كبير وإيجابي على حياة الموظف نفسه وعلى عطائه لعمله.منهج اﻹدارة اﻹنسانية, التي ترى أن اﻹنسان طاقة ﻻ حدود لها, وأن دور اﻹدارة هو إيجاد البيئة المناسبة لمساعدة اﻹنسان على إطﻼق هذه الطاقة وتوظيفها لمزيد من اﻹنتاج واﻹبداع, فهذا النوع من اﻹدارة يهتم براحة الموظف ﻷن راحته تعني اﻹنتاجية واﻹنجاز, وبالتالي فالمطلوب أن تكون هناك استقﻼلية أكبر للموظف, وأن تكون هناك مرونة أوسع في أطر العمل وتنظيماته. بفضل التقنيات الحديثة في اﻻتصال والتواصل اﻹلكتروني والرقمي لم يعد الوجود في أماكن العمل ضروريا أو مطلوبا في كل اﻷوقات, وهنا صار باﻹمكان الجمع بين اﻹنجاز وإنتاج ما هو مطلوب من العمل مع المرونة في اﻷوقات واﻷطر الضابطة للعمل. وكذلك فإن الدراسات العلمية عن ضغوط العمل ونتائجها السلبية على العمل شجعت كثيرا من الشركات على أن تهتم بصحة موظفيها وعمالها, فشركة عمﻼقة مثل "آي بي إم" وغيرها من الشركات اﻷخرى أتاحت, بل شجعت موظفيها على ممارسة الرياضة في أماكن عملهم, ومثل هذه الخطوة عادت على الشركة بنتائج إيجابية كثيرة. وهناك اليوم توجه عام لدى كثير من الشركات إلى توفير خدمات مساندة لموظفيها أثناء عملهم تعينهم على التعامل اﻹيجابي مع متطلبات العمل, فالجهد اليوم منصب على أن الموظف أو العامل الماهر هو أهم مورد وأهم عنصر من عناصر رأس المال, وبالتالي فتخفيف ضغوط العمل يجب أﻻ تترك للموظف نفسه, بل على اﻹدارات أن تجعل من هذا اﻷمر جزءا من اهتمامها وحسن إدارتها.إن العمل في الوقت الحاضر يقتطع الجزء اﻷكبر من وقت اﻹنسان, وعندما يعيش اﻹنسان الموظف هذا الزمن تحت ضغوط العمل وبشكل مستمر, فإننا بذلك نخسر كثيرا من عطاء هذا الموظف. الشعور بالضغط عند الموظف يقلل من قدراته على التركيز ويشتت جهده فتقل إنتاجيته ويزيده توترا فتهتز عﻼقاته المهنية واﻻجتماعية, هذا إضافة إلى ما يتسبب فيه من آثار صحية جسدية ونفسية, فاﻹدارات مطالبة بأن تولي هذا اﻷمر اهتماما خاصا, وتزداد الحاجة إلى هذا اﻷمر في وقت اﻷزمات اﻻقتصادية كمثل ما نمر به اليوم من أزمة اقتصادية عالمية.